د. فوزية البكر
أحدثت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وبحار العولمة تغييرات جذرية في شكل الأسرة السعودية، وفي رؤية وأدوار كل فرد من أفرادها، مما يعني تدريجياً اختفاء الصور النمطية التي تسيطر على الرؤية الذهنية الشعبية والبحثية (الدراسات حول المرأة والأسرة في الجامعات السعودية ومراكز الأبحاث) فيما يخص سمات الأسرة السعودية.
طفل أسرة اليوم السعودية يلعب بتلفون والدته منذ اللحظة التي يكون فيها قادراً على حمل الجهاز، وقد يوجد لديه «أي باد» في عمر السنتين أو الثلاث يلعب به ويلتقط الصور مما يعني أن علاقة هذا الطفل بالتكنلوجيا ستكون طبيعية جداً مثل الأكل والشرب، وهذا ما سيجعل دور هذه التكنلوجيا أساسياً في تنظيم حياته المستقبلية.
المراهق والمراهقة السعودية يتجاوزون معظم الحواجز الإلكترونية التي تضعها بعض المؤسسات الرسمية لحمايتهم من بعض المواقع الجنسية أو المشبوهة ويسبحون في بحار الألعاب مع مراهقين أو كبار من مختلف أنحاء العالم. وجباتهم السريعة وملابسهم وطرق تصفيف شعورهم تجعلهم أكثر شبهاً بمراهقي العالم من شبههم بمن يربونهم: الآب والآم.
في دراسة حديثة نشرت في موقع (رصيف 22) أظهرت عدداً من التحولات الكبيرة في رؤية ووظائف وأدوار أفراد الأسرة العربية والسعودية خاصة، فعلى سبيل المثال لم يعد الزواج هو الصفة الأساسية التي تقدم الشابة السعودية نفسها من خلالها للمجتمع، بل أصبح التركيز على معايير تحسين الذات أكثر من إرضاء المجتمع عبر مزيد من التعليم والتدريب ومزيد من التقدم في سلم الأعمال خاصة في القطاع الخاص بدوام طويل مقارنة بجيل الأمهات الذي عمل في قطاعات تعليمية نسائية حكومية بساعات عمل محدودة وإجازات سنوية طويلة.
ابنة السعودية الجديدة لا تملك هذه الخيارات الوظيفية التقليدية وبالتالي فسن الزواج أخذ في الارتفاع تدريجياً مع ارتفاع (مقلق) في نسب الطلاق، إذ تعد السعودية الأعلى عالمياً في نسب الطلاق بالنسبة لعدد السكان، كما أشارت الدراسة رغم أن السعوديات لازلن الأضعف في المشاركة في سوق العمل عامة حتى بالمقارنة مع دول الخليج الأخرى، حيث أشارت إحصاءات البنك الدولي للعام 2013 إلى أن السعويات شغلن فقط نسبة 20 % من الوظائف في سوق العمل مقارنة بنساء الكويت (60 %) والإمارت (47 %)، لكن نسبة كبيرة من السعوديات يؤمن بدعم الأسرة الاقتصادي من خلال رواتبهن، وهذا يعني أن صناعة القرار في ما يستهلك داخل الأسرة لم يعد (أبوياً) كما كان، بل أصبح لأفراد الأسرة (الأم والأطفال والمراهقون والشباب) دور في اتخاذ القرارات سواء في ما ينفق ويشترى أو في تسيير الحياة اليومية. هذا يعني ببساطة أن هناك جيلاً استهلاكياً كبيراً لا بد من الأخذ برأيه في ما ينتج من سلع وما يستهلك من مواد وأطعمة ورحلات وسيارات إلخ، وهذا ما يساعد الآن على تغيير خيارات السوق التي ستكون شابة أكثر من ذي قبل لتلبية الطلب على خيارات الجيل الجديد الذي يؤثر في صنع قرارات الأسرة الاستهلاكية والترفيهية إلى حد كبير خاصة والتقنية تلعب دوراً أساسياً في تحديد هذه الخيارات، حيث تشير الدراسة إلى أن الجيل السعودي الجديد مفتون بتصفح المنتجات الإلكترونية والمقارنة بينها وطلبها عبر التسوق الإلكتروني.
وسائط التواصل الاجتماعي لم تعنِ التسوق واستهلاك المنتجات الترفيهية فقط، بل أسهمت بسقوط تدريجي للأقنعة الاجتماعية التي تفصل بين الجنسين في الأسرة السعودية الجديدة، ومنحت منصات مفتوحة للجيل الشاب ليكون صوته مسموعاً عبر استخدام التطبيقات المختلفة لهذه الوسائط كـ»توتير» و»الفيس بوك» و»الواتس اب» و»سناب» خاصة للشابات اللاتي ظهر منهن جيل نسائي منفتح عبر «السناب» و»الانستجرام» يعني بنفسه من حيث الشكل والاستهلاك ويسوق للمنتجات ولا يعنيه كثيراً ما يقوله الآخرون!
التطبيقات الذكية في العالم والسعودية تحديداً أظهرت مشاهير جدد يجوبون العالم ويقدمون رؤيتهم ويسمعون صوت جيلهم لصاحب القرار مما يعني التقليل التدريجي لدور المؤسسة الحكومية في صنع فرص العمل التي بدأ الشباب أنفسهم بخلقها وإنشاء اقتصاديات ظل موازية للسوق الفعلية لا يعرف تحديداً درجة مساهمتها في الإجمالي العالم لاقتصاد الدولة لكنها تنمو بشكل سريع جداً وتظهر جيلاً قوياً ومقداماً سنكون مضطرين لسماع صوته وإشراكه في القرارات المؤثرة في الشأن العام لدولنا، وهو ما قد يمهد لتغييرات ملاحظة في نظم وطرق إدارة دول المنطقة. حفظ الله هذا الوطن آمناً مستقراً.
الترفيه أصبح جزءاً من ميزانية الأسرة وليس ترفاً أو حلماً يمكن الاستغناء عنه.