د. خيرية السقاف
عند عتبة بيته وهو يدلف خارجاً عن الباب, كان آخر ما سمعه دعاءها
ألقى جسده خلف مقود عربته, وبدأ الطريق
تنهّد مع حديث نفس: «وحدها تمسح جروحي»..
بقيت هي الوحيدة التي ترقبه بحنو
حين يعود بعرقه وهمِّه, تمسح بباطن كفها جبهته فيما ينكفئ يقبِّل قدميها
رشفة من فنجال قهوتها كفيلة بإطفاء لهيب جوفه
وحين يؤوب لمرقده تحوم في مدى ناظريه دموعها
يقفز على حين لهفة , على أطراف أصابع قدميه يتسلل لحجرتها
وحين يمرر كفـــه على وجهها ولا تتكلم
يعود لفراشه, يقبَِل كفَّه المعبَّـقة بأنفاسها, يحتضنها وينام
التي بجواره تشعل ليلــه ونهـــاره نكداً..
ذلك الصباح رددت عليه: أريد حضور زفاف صديقتي «دبِّر لي نقوداً»
وكان يعلم أن لا حيلةً بقيت له, ولا مرجعاً..
عاد في الظهيرة الحارقة ليأوي إلى حنوِّ كفَّــيها القابعة وحيدة في حجرتها قبل أن تشعل زوجه البيت نكداً..
احتسى قهوتها , قبَّـل ما بين عينيها, وكفَّيها, استنشق رائحة حنَّائها وعطرها, ملأ صدره منهما, وعينيه, وأذنيه, ونهض راجعاً لجحيمه خارج حجرة جنَّته..
وهو يهمُّ بالخروج قالت له: خذ معك يا بني ذلك المنديل فوق الطاولة عند باب الحجرة..
أخذ المنديل في يده فإذا به ملتفاً بملمس ورق يعرفه جيداً,
بلمسة المنديل أدرك ما يلتف عليه نسيجه,
نظر لمعصمها, خالياً من أساوره..
أمي: هذه آخر بقايا أبي عندك, كيف تفرطين بها؟
احتضنته وهي تقول:
أنت سواري, لا شيء البتة يطوِّقني غيرك, حين تخرج أنت من إسار جحيمك..!!