د. محمد عبدالله الخازم
حاول أحدهم تبرير توجه بعض المسؤولين نحو تعيين أصدقائهم وأبناء مناطقهم في المناصب المحيطة بهم بأن هذا يتماشى مع مصطلح في الأعمال يعبر عنه بالانتماء للثقافة (culture fit ). المقصود هنا بحث بعض التنفيذيين في اختيارهم للقادة في شركاتهم، عن من ينتمي أو تناسب خلفيته ثقافة المؤسسة. فعلى سبيل المثال؛ إذا كانت القيم التي تحكم عمل المنظومة الإدارية هي تنوّع الموظفين، فإنه يصعب أن تعيِّن مديراً للقوى العاملة مثلاً لا يؤمن بذلك، لأنه سيخل هنا بقيم المنظومة.
في تكوين الصداقات والعلاقات طبيعي أن تنجذب لمن يتوافق معك في رابطة أو ثقافة ما، قد تكون العائلة أو القبيلة أو الوطن أو التخصص أو الأيدلوجيا ... إلخ. لكن الخلط يكون في عدم التفريق بين الجانب الاجتماعي والجانب العملي أو المؤسسي. مفهوم الانتماء للثقافة في المنظمات الإدارية بالمملكة يعمل بطريقتين سلبيتين، الأولى هو سيطرة ثقافة (يمكن تسميتها بالشلة) على مصادر القرار وسعيها الدائم إلى قبول من يتبع انتماءها. والمؤسف هنا أن تلك الثقافة ليست قيماً عملية أو علمية أو وطنية إيجابية أحياناً وإنما تتبع قيماً فئوية منحازة، يصعب اختراقها. بمعنى آخر، قد تجد الفئة (أياً كان نوعها) لا يقبلون أي شخص بينهم بسهولة في مركز قيادي. وفي حالة جاء شخص من خارج منظومتهم فإنه لا بد أن يحمل مؤهلاً يتقاطع مع ثقافة أو فئة أخرى تنتمي لها المجموعة أو القوة المسيطرة فيها وعليه أن يبذل جهداً أكبر في إثبات وجوده وسطهم. الوضع قد ينطبق على أي فئة؛ مهنية أو قبلية أو مناطقية أو أيدلوجيه ... إلخ.
السلبية الثانية نلحظها مع بعض القادة في وزاراتنا، فبعضهم قبل حتى أن يبدأ منصبه يحكم على منسوبي الوزارة بأنهم لا يتماشون مع فكره الجديد فيبدأ بإحضار آخرين من خارج القطاع وفق معيار يبرز بأنه البحث عن التوافق مع المسؤول اجتماعياً أكثر منه مهنياً. أحياناً يكون بحجة إدخال دماء جديدة، دون حتى التعرّف على مَن هم على رأس العمل في القطاع، أو دون التمحيص في مؤهلات تلك الدماء وهل تمثِّل الأكفأ ودون حتى وضعها في موقع التدرّج في العمل قبل منحهم الصلاحيات القيادية. الفكرة هي إيجاد فريق قيادي ينتمي لنفس الثقافة/ الشلة وبالتالي يمكنه الانسجام والعمل معاً. هذا أمر قد يقبل في مؤسسة أعمال خاصة، لكن حين تكون المؤسسة وطنية، فالمشكلة تكون في تغيب القيم الوطنية وقيم الإنتاج والكفاءة ليحل بدلاً منها قيم تأسيس فرق أو شلل اجتماعية. نفس الفكر القديم؛ لا تثق في الغرباء وقرّب ابن العم والحمولة!
شخصياً أصبح هذا العذر مريحاً لي؛ عندما يُقال لي يفترض أن تكون هنا أو هناك أجيب ببساطة «لست أنتمي للثقافة» والثقافة هنا تعني البيئة أو العلاقات الشخصية أو المنطقة أو غير ذلك. لذلك هي نصيحتي - بصفتي تجاوزت مراحل السعي نحو منصب ما- لكل مجتهد يرى نفسه متميزاً؛ إذا لم تمنح الفرصة فذلك ليس بالضرورة عيباً أو نقصاً في كفاءتك، بقدر ما هو مشكلة الانتماء لثقافة أو فئة محددة.