عبدالوهاب الفايز
** ماذا تقول آخر الأرقام الصادمة؟
** 78 % من حوادث اصطدام المركبات بالمركبات المقابلة لها في المملكة تحدث بسبب استخدام الجوال أثناء القيادة. وهذه الحوادث غالبًا تكون مدمرة وقاتلة!
هذه الإحصائية الأخيرة من المرور تفاعل معها الناس، ووزعوها بينهم. ولعلها تنتشر وتتوسع كما أراد لها إخواننا في المرور؛ حتى يعي الناس خطورة الموقف. مثل هذه المعلومة ربما لا نستغربها؛ لأن الحوادث المؤسفة في العالم بدأت تأخذ منحنى تصاعديًّا سلبيًّا بسبب إدمان استخدام التطبيقات على الجوال. والمخاطر تتجاوز استخدام الجوال في السيارة؛ فحالات الدهس للمشاة في الشوارع تتزايد، وكذلك السقوط والتعثر بسبب التقاط الصور.. وهذه أضافت الجوال إلى مصادر التهديد الرئيسية للسلامة العامة.
لقد أُجريت العديد من الدراسات والأبحاث على مخاطر استخدام الجوال أثناء القيادة. والدراسات التي استهدفت معرفة حالة الإدراك في الدماغ وجدت أن الدماغ يدخل في حالة (العمى غير الإرادي) بسبب الانشغال باستخدام الجوال؛ فالانهماك يصرف الذهن عن إدراك الأمور المهمة في الطريق، وغالبًا يكون السائق غير واعٍ لما يدور حوله، وقد لا يدرك الإشارات والعلامات المرورية، وعادة لا يستطيع إبقاء السيارة على مسار محدد، ويكاد ينقطع عن الواقع، وترتفع حالة التوتر مع زيادة الضغط النفسي.
في إحدى الدراسات قام الباحثون باختيار طريق، وأضافوا له معالم بارزة، مثل: رافعات، وسيارات إطفاء، وأشكال غريبة تخطف العين.. وطلبوا من أحد الأشخاص أن يقود السيارة، ويقوم بإجراء محادثات وهو ممسك الجوال بيده من بداية نقطة محددة إلى آخر الطريق.
بعد الرحلة أخضعوا السائق للفحص بجهاز التصوير بالرنين المغناطيسي MRI، وأعادوا له شريطًا مصورًا عن الطريق، وطلبوا منه أن (يكبس على زر) حينما يرى الأشياء التي يتذكرها. وهنا كانت النتيجة صادمة؛ إذ لم يتذكر رؤية أغلب الأشياء البارزة على الطريق. ومن صورة الدماغ اتضح أنه كان شبه ساكن أثناء المحادثة، ولم يتم مسح الأشياء الضرورية. طبعًا الدراسات واصلت تقصي الأثر على الدماغ أثناء المحادثات التي تتم من مكبِّر الصوت بالسيارة، أي بدون إمساك الجوال، وكانت النتائج متقاربة. وهذا رابط إحدى الدراسات المرجعية التي يعود إليها الباحثون. (https:/ / www.cmu.edu/ news/ archive/ 2008/ March/ march5_drivingwhilelistening.shtml)
هذه الدراسات تشجِّع الحكومات على البدء بسَن قوانين، تمنع استخدام الجوال من قِبل السائقين بشكل نهائي. وهناك دعوات إلى تجريم استخدامه مع تعاظم مخاطره. وهنا في المملكة لدينا المشكلة كبيرة كما أشارت إحصائية المرور الأخيرة؛ فنحن من أعلى الدول في استخدام الجوال، وحالة الإفراط في الاستخدام سوف تتعاظم إذا لم نتخذ إجراءات حاسمة لردع هذه الظاهرة.
وهنا ندعو اللجنة الوزارية التي شُكِّلت أخيرًا، والتي كُلِّفت بملف السلامة المرورية، إلى ضرورة إدخال الجوال ضمن المتغيرات الأساسية العديدة التي تؤثر على السلامة المرورية. العقوبة المقررة الآن - وهي الإيقاف 24 ساعة في حال تأكد ارتباط استخدام الجوال بالحوادث أو المخالفات - ربما لا تكون كافية؛ لأن عدد مستخدمي الجوال كبير جدًّا؛ وهنا نحتاج إلى حلول بعيدة المدى، تحاصر الظاهرة عبر طرق غير تكثيف التوعية التي نراها، وهي إيجابية، ويُشكر القائمون عليها، لكننا نحتاج إلى تغليظ وتوسيع العقوبات؛ فهذه قللت من قَطْع الإشارات أو تجاوز السرعة المحددة..
فإضافة إلى الغرامات المالية والإيقاف لمدة 24ساعة نحتاج إلى التوسع في العقوبات، مثل إيقاف المركبة أشهرًا عدة، أو حتى سحب رخصة القيادة لمدد متصاعدة، تنتهي بسحب الرخصة نهائيًّا.
في أمور السلامة نحتاج إلى العقوبات الشديدة لكل من يتساهل في أمور السلامة التي ترتبط بالحياة والموت. وهذا ينسحب على أمور عديدة، مثل التساهل في وضع متطلبات السلامة من قِبل المقاولين في الطرق، أو من قِبل مَن يغش في قِطَع غيار السيارات.
بالنسبة للجوال التحرك ضروري؛ لأن المشكلة لدينا سوف تكبر مع استمرار ارتفاع استخدام الجوال. والسعودية تحتل المرتبة الأولى عالميًّا من حيث عدد مستخدمي الهواتف المحمولة طبقًا للدراسة التي أُجريت تحت مظلة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. وجاء في الدراسة أن المملكة تملك عددًا من مستخدمي الهواتف المحمولة أكثر من أي دولة في العالم؛ إذ يصل عدد أجهزة الهاتف إلى 180 جهازًا مقابل كل 100 مواطن سعودي!