فهد بن جليد
الناس يقولون الصراحة عندما تكون هوياتهم مجهولة، هذه هي الفلسفة التي يقوم عليها تطبيق (صراحة) الذي أنشأه الشاب السعودي زين العابدين توفيق مُعتمداً في استخدامه وتعليقاته الأسماء المُستعارة، بعد أن يعتلي الشخص المنَّصة ليكون هدفاً لقول - ما يُنتظر أنَّه الحقيقية - ورأي من حوله فيه، على طريقة جرِّب إن كُنت مُستعداً لسَماع رأي أصدقائك ومعارفك فيك بكل صراحة وسرية.
فكرة هذا المشروع في بداياته كانت تستهدف أصحاب الأعمال والشركات لمعرفة رأي عملائهم وتقييمهم بكل تجرُّد وصراحة، إضافة إلى توجيه رسائل الانتقاد الشخصية بين الأصدقاء وإبداء المُلاحظات بينهم دون حرَّج أو خجل، وإطلاع من حولك من المُستخدمين الآخرين على سلبياتهم بشكل سري حتى يتجنَّبوها ويحسِّنوا من حياتهم وعلاقاتهم بالآخرين مُستقبلاً، ولكن بعد انتشاره بسرعة كبيرة جداً بين أوساط الشبان العرب، انحرف التطبيق عن أهدافه المُعلنة و تحوَّل إلى ما يُشبه منصَّة لمُهاجمة الناس والإفلات من المساءلة القانونية - كما تصفه بعض وسائل الإعلام العالمية - وهذه أكثر الانتقادات التي واجهها بعد استخدامه بالعربية والإنجليزية، رغم أنَّه حديث وسائل التواصل الاجتماعي, كأكثر التطبيقات شعبية في بلدان عدة حول العالم.
ما يهمُنا هنا هو فكرة قول الحقيقة أو الصراحة للآخرين عندما يتم إخفاء هويتك أو شخصيتك، فالناس -كما يقول توفيق- توَّاقة لمعرفة آراء الآخرين فيهم دون حواجز القرابة وفارق السن، وهذا جزء بالغ التعقيد في ثقافتنا العربية، التي يطغى عليها جانب المُجاملات الظاهرية بشكل كبير، تحت مُسميات مُتعددة غيَّبت الصراحة المطلوبة بيننا تحت بند الاحترام والخجل أو الخوف أحياناً، والمُدَّارة للمدير أو من تربطنا به مصلحة، وهو ما أنتج خللاً في العلاقات الطبيعية بين الأصدقاء والأزواج والأقارب وبيئة العمل، وأظهر سلوكاً تعويضياً - بديلاً - ساعد في نمو النفاق الاجتماعي والنميمة والغيبة بين الناس.
نحن في حاجة بناء تربوي وأسري عميق، يبدأ من البيت مروراً بالمدرسة وانتهاءً بالعلاقة السوِّية بين أفراد المُجتمع، حتى تتشكل الشخصية القادرة على النقد البناء بتجرّد وصراحة مُطلقة - بعيداً عن الوقاحة والبجاحة - وبما يتوافق مع آداب ديننا وثقافتنا - وفي الوقت ذاته - تقبل سماع رأي الآخرين دون أن يترك ذلك في نفوسناً شيئاً ضدهم، وهنا مرّبط الفرس.
الضابط هنا (خيط رفيع) بين الصراحة الغربية القاسية، الفجَّة، الجارحة، وبين الصراحة العربية المُغيَّبة، المُجاملِة بتلَّطف على استحياء، التي جعلتنا نبُوح بالحقيقية فقط عندما لا يعرفنا أحد.
وعلى دروب الخير نلتقي.