تعتبر الأوقاف الدينية الخيرية رافداً من أهم روافد دعم الجانب الإيجابي الاجتماعي بين أفراد وفئات المجتمع الواعد، لما تحويه بين أقطابها من دعم روح التكافل والترابط والتراحم بين الناس، وقد سرت هذه العادة بين المسلمين كسري النار في الهشيم، وحينما طوف الراحلون العرب أنحاء العوالم الإسلامية كابن بطوطه في رحلته الذائعة، وابن جبير في رحلته الناصعة، وغيرهم من الرحالة المسلمين الموثوق بما حبرته أناملهم، أشاروا إشارات سائرة إلى أوقاف عجيبة غريبة تفنن فيها المسلمون، وما لك إلا إلى بث روح التواد بين أفراد المجتمع الواحد، وتحقيقاً لقوله عليه أفضل الصلوات وأتم التسليمات (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وترابطهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالسهر والحمى).
والملفت لنظر المطلع على هذه الأوقاف عقلية المسلمين وتفننهم في إغاثة الملهوف، وإطعام الجائع وذي المسبغة، وهي كثيرة جداً وغريبة في نفس الوقت، وكتب الرحلات مليئة بها، وقد اخترت لك قارئ الكريم ثلاثة أوقاف وهي التالية:
الأول يسمى بوقف الإبريق ولهذا الوقف دكان خاص به، له قيم ومسؤول عنه، وفكرته إعطاء الصبي والفتاة والفقير وعاءً فخارياً مجاناً مقابل الوعاء الذي كُسر منه أثناء قيامه بعمله، وهذا من شأنه عدم تعريض الصبي للتوبيخ والعقاب والإهانة والطرد من العمل، فما على الصبي إلا أخذ الإبريق المكسور إلى وقف الإبريق واستبداله بجديد، وقد ظهرت صور مقاربة لهذا الوقف في المدينة المنورة في القرن الثاني عشر الهجري عن طريق وقف الجرار التي تكسرها الفتيات في المدينة وهن ذاهبات لحمل الماء من منابعه، كذلك جرى وقف جديد في مدينة فاس المغربية بتعويض الأطفال بآنية فخارية سليمة عما يكسرونه ليسلم الطفل من عقاب سيده، ومثل هذا الوقف تماماً ما ذكره الرحالة «ابن بطوطه» في رحلته المشهورة خلال القرن الثامن الهجري إلى بلاد الشام.
** **
- حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى)