د. محمد عبدالله العوين
تغريدات بذيئة سوقية منحطة تخوض في الأعراض وتنتهك الخصوصيات يحق للمقذوفة في عرضها أن ترفع تظلمها إلى المحاكم الشرعية؛ لإنصافها ممن رماها وشهر بها ووضعها موضع الاتهام والقيل والقال، وكان في وسع المغرد القطري البذيء أن يسخر من تبرعها وأن يعلق عليه بما شاء من ألفاظ لا تخرج به عن الآداب العامة؛ لكن من تعود على الألفاظ الشوارعية وصارت لغته وقاموسه في جل ما يكتب من تغريدات لا يستطيع أن يتخلص مما اعتاد عليه، ومن شب على شيء شاب عليه وأصبح منهجا له ويتجلى في حالة الغضب أو الشعور بالضعف أو التوهم بالقوة أو الرغبة في التكاذب على النفس وإيهامها بأنها لا زالت في حالة تماسك وانتصار كما يتوهم كثيرون من المغردين البذيئين ممن هم على شاكلته فحسب؛ لكن نسبة كبيرة فاضلة من أشقائنا في قطر خالفته في نهجه وردت عليه ردودا قاسية وألهبته بسياط اللوم والتقريع ودعته إلى تجنب البذاءة والسقوط في وحل التسفل والتردي والسوقية وانتهاك الأعراض، وكانت تلك الردود الأخلاقية الشريفة المتزنة من إخواننا الفضلاء وأخواتنا الفاضلات في قطر مثالا لما يحسن أن يكون عليه أدب الحوار في القضايا السياسية موضع الخلاف، وأن الاختلاف بين القيادات السياسية ليس اختلافا أو كراهية أو عداء بين شعوب الدول الأربع المقاطعة والشعب القطري الشقيق.
الخلاف في حقيقته ينحصر بين تنظيم حاكم كاد ولا زال يكيد لجيرانه وللمنطقة العربية وسعى ويسعى لخرابها وإثارة فوضى الثورات فيها، ويدعم الإرهاب ويؤوي الإرهابيين بالوثائق والأدلة والتسجيلات المثبتة، ويمد الخونة الخارجين على أنظمة بلدانهم بالمال وبكل الوسائل اللوجستية التي تمكنهم من إثارة البلبلة والفوضى؛ كما هو سلوك تنظيم الحمدين مع الخونة في لندن على مدى أكثر من عقدين من الزمن، وقد صورت الشيكات والتحويلات وشراء المنازل وتحمل تكاليف الدعوات والتنقل لحضور الاجتماعات السرية والمعلنة في عواصم عالمية وإسلامية بما لا يدع مجالا لتشكيك أو ظن أو احتمال آخر غير خيانة أخوة الدين والدم والعروبة والتاريخ والجغرافيا.
لسنا الآن في وارد إثبات التهم على تنظيم الحمدين؛ فقد كتبت فيها المقالات، وبثت التصريحات، ونشرت الوثائق، وسينشر منها المزيد مما سيعد صدمة لبعض أبناء قطر المشككين أو الذين يسعون عمدا إلى التشكيك أو النفي والإنكار؛ حفاظا على مصالحهم من الحمدين وتميم.
وسيكون «كشف الحساب» القادم الذي وعد بنشره معالي الأستاذ سعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي صادما أيضا لبعض من يحسنون الظن في عدد ليس بالقليل ممن تعودنا أن نرى صورهم بالأحضان في «كعبة المضيوم» مع رموز التنظيم الحاكم في قطر تحت مسميات متعددة تُكون وتُزين وتُزبرق لغاية الاجتماع والحضور والتنسيق بين الجماعة ومرشدهم الأعلى المتورم على كرسيه العالي بين حوارييه ومريديه وتلامذته والمتمسحين به!
كانت تغريدة من إحدى أخواتنا نابعة من شعور طيب بواجب المساعدة أبدت فيها تبرعها باستئجار أربع طائرات لنقل حجاج قطر بعد أن أغلق تنظيم الحمدين موقع تسجيل الحجاج القطريين؛ ليدعي التنظيم الحاكم في قطر - كذبا وزورا - أن المملكة هي من منعت استقبال حجاج قطر؛ سعيا من التنظيم الحاكم إلى تسييس الحج ونقله إلى المحافل الدولية، ثم رد عليها أحد أبواق التنظيم ردا يوجب حد القذف.
هذا ما أوجب علي أن أقف هذه الوقفة المتأنية عند تغريدة ستنسى مع الزمن لتفاهتها؛ لكن الضرر لا ينحصر على المتهمة فحسب؛ بل يعم من يتلقى أو يقرأ أسلوبا منحطا كهذا يتعلم منه الناشئة ورواد أخطر مواقع التواصل في «السوشل ميديا» وهو أسلوب بذيء لم نتعود عليه ولم نألفه وتجرمه المحاكم والقوانين.
ما كان يجب أن يتحول الاختلاف السياسي بين دول المقاطعة الأربع وتنظيم الحمدين إلى هذا السيل من الشتائم البذيئة والألفاظ القبيحة الخارجة على العرف والتقاليد والأخلاق الطيبة المتوارثة بين أبناء منطقة الخليج.
يمكننا أن نختلف في الآراء والتوجهات السياسية أو الفكرية؛ حتى لو ذهبنا بعيدا في ذلك؛ إلا أننا لا يمكن أن نحول أبدا الاختلاف إلى بذاءة أو عداء بين الشعوب.
إن الشرخ الذي سيطول علاجه والبرء منه هو ما ضرب عميقا في البنية الشعبية؛ أما الخلاف السياسي؛ فالسياسيون لديهم من الوسائل والأدوات ما يمكنهم من الوصول إلى حلول يعلمها الكبار ويجهلها الصغار؛ ومن يجهل سيلقن الدرس إلى أن يعيه ويستوعبه.