فهد بن جليد
كبريات وسائل الإعلام العالمية تراجع المحتوى الإعلامي الذي تقدمه باستمرار، وسط تساؤل عن المادة الصحفية الأكثر جذباً للمتلقي، المدارس الحديثة تعتقد أنَّ إعادة نشر المحتوى المقدم والمتداول بين يدي المتلقي عبر -السوشيال ميديا- أكثر جذباً إذا ما تم متابعته من زوايا أخرى، هذه الفكرة ليست بالجديدة فمنذ عقود كانت صفحات القراء وإنتاجهم الإعلامي هي الأكثر قراءة وتداولاً وتفاعلاً، بعد إدخال تعديلات تحريرية طفيفة عليها قبل النشر حتى لو كانت مجرد أخبار أو خواطر أو هموم ومشاكل، فيما يعارض آخرون هذه الممارسة بحجة أنها تفتقر للحس الصحفي، وتفتقد مهارات صناعة المحتوى ومعاييره المعتبرة، وفقدان لزاوية بناء القصة والخبر والحدث بشكل صحيح، ولربما هدَّدت وظيفة الصحفي المحترف لصالح صحافة المواطن اليومية العشوائية البسيطة.
التعليق على القصص والأخبار والأحداث المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي ومتابعتها ونشر تفاصيلها في الصحافة الورقية والتلفزيونية يبدو طاغياً اليوم على المشهد الإعلامي العالمي حتى أن معظم الصحف والقنوات الكبرى تنتهج ذلك وتعتمد عليه، مما يعني أنّ المستخدم أو المتلقي الفرد هو من بات يصنع الأحداث ويتحكم بأجندتها، بل ويفرضها من خلال توليد المحتوى الذي تعتمد عليه المحطات التلفزيونية ووسائل الإعلام المختلفة، التي رفضت التغيير في بدايته، ثم رضخت للقبول به والتعاطي معه لاحقاً، وسرعان ما تبنت المشروع بكل إيجابياته وسلبياته، مع تحول العديد من المحطات العالمية لحاضنة وجامعة لما يتم تداوله عبر صحافة الأفراد بأسلوبها العصري، وبتخصيص نشرات كاملة لإعادة نشر ذلك المحتوى وتسليط الضوء عليه، فأنجح البرامج التلفزيونية اليوم هي خليط بينما يتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي، وذلك الخيط التقليدي الرفيع الذي تحاول وسائل الإعلام المحافظة عليه حتى لا يتشقق ثوب النشر الذي ترتديه.
في وسائل الإعلام البريطانية يتحدث صحفيون ومعلقون كبار أنَّ ما يوازي 75 % من المحتوى اليومي لصحفهم وقنواتهم التلفزيونية بات جاهزاً بأيدي المتلقين أنفسهم، وأن المساحة المتبقية لهم ليمارسوا عملهم الحقيقي لا تتجاوز فعلياً الـ25 % من المحتوى، وهو ما يهدد فعلياً وظائف الصحفيين حول العالم مع ضعف الإعلانات، وكأنَّ وسائل الإعلام لم تعد في حاجة للصحفي المحترف بقدر حاجتها للتقني المحترف الذي يستطيع جمع المحتوى المتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإعادة صياغته ليعاد نشره مرة أخرى.
سر الجدل حول فقدان الصحفيين لوظائفهم بشكل متزايد، يأتي مع اعتبار هذه المنصات مصادر معتبرة وموثوقة تقود المشهد الإعلامي، وليست مجرَّد داعمة للعمل الصحفي المهني بحيادتيه ومعاييره الدقيقة -للحديث بقية-.
وعلى دروب الخير نلتقي.