صيغة الشمري
الذي حصل في سوق التمور في عنيزة درس لنا جميعاً كمجتمع سعودي، درس أتمنى أن يوضع له نصب تذكاري، فيه كل تفاصيل القصة التي تدعو للخجل من جهة وللفخر من جهة أخرى، أتى إلى المختبرات التي تكشف عن المبيدات وجودة الأغذية أناس مخلصون ويعملون برقيب ذاتي وشجاعة منقطعة النظير، لأنه في هذا المجتمع إن كنت مسؤولاً في جهة رقابية لابد أن تملك غير الضمير شجاعة مضاعفة، ومحصناً ضد المحسوبيات والضغوط، أشفق من قلبي على هؤلاء الموظفين من شدة الضغوط التي يجدونها تتضاعف مع صباح كل يوم دوام ، المخلصون والشجعان انطلقوا إلى سوق التمور في عنيزة وقاموا بفحص عينات من التمور المحملة بسيارات والمعروضة أمام المواطنين الغافلين، وكل سيارة يجدون تمورها مخالفة يكتبون لافتة عليها اسم المخالفة، ويتركونها أمام الجميع حتى ينقطع دابر هذا الغشاش ويحذر الناس منه، عمل بطولي ودرس إنساني قبل أن يكون وظيفياً لكل من يعمل في هذا المجال ويتساهل في تمرير مثل هذه الأغذية للناس، لاسيما وهي تحمل كمية من المبيدات جعلتها غير صالحة للاستخدام الآدمي. المفاجأة المذهلة أنه في اليوم التالي لم يحضر سوى ثلاث سيارات من بين عشرات السيارات والبائعين الذين كانوا يبيعون تمورهم في هذا السوق بشكل يومي، أصبح السوق خالياً تماماً، وهذا لا تفسير له سوى أن الجميع مخالفون للنظام ومستهترون بصحة الناس ، هروبهم من السوق أثبت بما لا يدع مجالاً للشك كم مخدوعون وكم حجم الغش الذي نتعرض له حتى في صحتنا وهي أثمن ما نملك ، أثبت أيضا نحن بحاجة لمثل هؤلاء الموظفين الذين يستحقون التكريم من مجتمعهم قبل إدارتهم لأنهم نموذج من الموظفين، لم نعتد على وجوده، ولم نألف مشاهدتهم وهم يبذلون في سبيل أمانتهم الشيء الكبير من راحتهم التي تتعرض يومياً لضغوط المحسوبيات وعدم التقدير ، خلو السوق من الباعة بعد يوم من عملية التفتيش أمر مفجع ومخزٍ، خصوصاً أننا شعب يمثل له التمر ضرورة قصوى إذ يتم تناوله يومياً بكميات كبيرة سواء في البيوت أو في أماكن العمل وفي كل مكان تذهب إليه تجد التمر أمامك، سوق عنيزة للتمور قدم درساً مختصراً لما يحدث في جميع أسواقنا، وهذا مما يدعونا للمطالبة بزيادة هؤلاء الموظفين الذين يدافعون عن صحتنا وحياتنا.