علي الصراف
بعض الناس مولعون بالشر، حتى أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا من دونه، ولو أنفقوا عليه من مالهم. ربما لأنه جزء من طبيعتهم، أو ربما لأنهم يجدون فيه متعة، أو ربما لأنهم يحسبون أنهم، بإلحاق الأذى بالآخرين، يجعلون من أنفسهم سادة فيه ولا يطالهم شيء منه.
ومن هؤلاء، كما تقول بعض الحكايات الشعبية، إن رجلا كان لا يمضي يوما من دون أن يصيب جيرانه أو معارفه أو أحدا من عامة الناس بضرر أو أذى. وكلما عاد إلى منزله، كان يجمع أبناءه الثلاثة ليقص عليهم ما فعل. فيضحك ملء شدقيه، ويبتهج معه أولئك الأبناء حتى أصبح الشر جزءا من طبيعتهم.
ذات يوم أراد أن يختبرهم، ليرى إلى أين وصلت قدراتهم، فقال لهم أريد أن يذهب كل واحد منكم ليرتكب عملا أسوأ من الآخر، وأفضلكم عندي، من قام بعمله من أجل الشر لذاته، لا من أجل أي غاية أخرى. وعودوا في المساء لتخبروني بما فعلتم.
حار الأبناء بما كان يجب أن يفعلوه لكي يكون شرهم «شرا لذاته».
جاء المساء، والتأم شمل الأسرة. فسأل الأب أكبر أبنائه: قل لي ماذا فعلت؟ فقال، رأيت سيارة قرب دارنا فحطمت زجاجها، وثقبت عجلاتها، وتركتها مهشّمة ليضرب صاحبها على رأسه عندما يراها.
فقال الأب: شرا فعلت.
وسأل الأب، ثاني أبنائه: وأنت، قل لي ماذا فعلت؟ فقال، رأيت أخي يفعل ما فعل، فخشيت أن يبقى في السيارة ما يجعل إصلاحها ممكنا، فصببت عليها البنزين وأحرقتها حتى أصبحت كتلة من ركام وسخام.
فابتسم الأب وقال: هذا أشر.
فسأل الأب أصغر أبنائه: وأنت، قل لي ماذا فعلت؟ فقال، رأيت أخويّ يفعلان ما فعلا، فأبلغت الشرطة عنهما، والشرطة تقف على باب الدار لكي تلقي القبض عليهما حالما يخرجان.
فضحك الأب وقال: وهذا أشر، ولكن لماذا فعلت ذلك، يا بُنيّ؟
فقال الابن: نكاية بك وبهما معا.
فقال الأب مستغربا: «نكاية بهما» فهمتها، ولكن لماذا نكاية بي؟
فقال الابن: لأنهما حطما سيارتك يا أبي.
وعلى غرار هذه الأسرة، يبدو أن الشر متأصل في نفوس بعض شيوخ قطر. حتى أن المرء لا يستطيع أن يستخلص من أفعالهم إلا شرا ليأتي بعده ما هو أشر منه. وذلك حتى تحطمت السيارة.
فهم بعد انقلاب وآخر، لم يتركوا جارا إلا وتآمروا عليه وسعوا إلى إلحاق الضرر به، ظنا منهم أنهم يستطيعون أن يبلغوا من الشر أقصاه. حتى أنهم لم يقصدوا أن يكسبوا من ورائه مصلحة أو نفوذا. ذلك لأنهم، من الناحية الحسابية على الأقل، ينفقون عليه أكثر بكثير مما يمكنهم أن يكسبوا منه.
كما أنهم لم يتركوا قوة من قوى الشر إلا وتحالفوا معها، حتى ولو بدت تلك القوى متصارعة مع بعضها البعض (حزب الله، الإخوان المسلمين، إسرائيل، إيران، حماس، القاعدة، جبهة النصرة، الحوثي... الخ). إنما من أجل أن يقولوا لهذه القوى جميعا، نحن إذ نجمع بينكم، فمن أجل البرهان على أنكم إذا كنتم تمارسون الشر لأغراض تتعلق برؤى خاصة بكل منكم، فإننا لا نقصد من وراء الشر إلا الشر نفسه.
ولكن «الشر لذاته» ظلَّ معضلةً حتى على أكثر الأشرار وقاحة. وذلك حتى ظهر من يدعو إلى «تدويل المشاعر المقدسة».
صحيح أن هذه الدعوة ليس فيها من «أصالة الشر» إلا الاستنساخ عن مقبورين اثنين: الخميني والقذافي، إلا أنها تبلغ مستوى «الشر لذاته» لسبب بسيط، هو أنهم يعرفون (كما يعرف العالم بأسره) أن هذه الدعوة مستحيلة لوجستيا وسياسيا، استحالتها دينيا وأخلاقيا. إلا أنهم يدعون بها، فقط من أجل النكد لذاته والحقد المجرد لذاته، في دلالة على تمام الوقاحة بما لا نفع فيه.