د. محمد عبدالله الخازم
تأخَّرنا في تطوير واستثمار السياحة البحرية بالمملكة كما يجب، رغم وجود شريط مائي طويل ضمن حدودنا، حتى جاء أخيرًا فارس الرؤية السعودية القادمة ليلتفت إلى هذا الكنز المنسي ببلادنا بما يحمله من قيمة اقتصادية وسياحية وتنموية. مشروع البحر الأحمر الذي أعلنه سمو ولي العهد يبشر بالخير لمستقبل متنوع اقتصاديًّا. وباعتباري لستُ كاتبًا اقتصاديًّا فلست أحفل بالأرقام المادية، رغم أن المؤشرات - وفق ما يقوله أهل الاختصاص - تؤكد ضخامتها. المشروع يمثل رؤية ضخمة لم تعلن تفاصيلها، بل إن الوعي فيه يبدأ من تحديد موعد حجر أساسه في نهاية 2019م؛ ليكون الإعداد الكافي قبل ذلك الموعد.
عندما يعلَن مشروع بهذا الحجم، ويوضَع موعد لاحق لتدشينه، أراها فترة ذهبية أن تُطرح الأفكار والآراء التي قد يُستفاد منها في تخطيط المشروع. والرأي بالنسبة لي يعني إيجاد فكرة للنقاش. من هذا المنطلق أهنئ بالمشروع، وأطرح وقفات، بعضها طرح في ثنايا العرض، لكنني أحببت الـتأكيد عليها.
البيئة ثم البيئة ثم البيئة هي عنصر الجذب في هذا المشروع العظيم؛ لذلك أتمنى تأكيد عدم الإخلال ببيئة البحر والجزر والشواطئ والآثار الداخلة ضمن نطاق المشروع. حتمًا سيكون هنا بعض التأثير على الطبيعة البِكْر للمنطقة، لكننا نتمنى أن يكون في الحدود الدنيا، ولما هو ضرورة حتمية. أحيانًا كل ما تحتاج إليه قارب أو عبّارة أو (كروز)، يأخذك في جولة على الجزر البحرية بطبيعتها الفطرية؛ لتستمتع بجمالها وروعتها، لا خرسانة تقتل الزرع وتجرف الرمل لتبيتها!
في تجارب سابقة تحولت الشواطئ الجميلة إلى مناطق خاصة بالمقتدرين ماديًّا بسبب ضخامة وطبيعة المنتجعات والفنادق والمشاريع التي حجبت البحر عن الناس، وجعلت بعضها أملاكًا خاصة. أتمنى في مشروعنا القادم عدم تكرار ذلك، وجعل أكبر جزء منه متاحًا لجميع الناس البسطاء.
فهمت أن المشروع سيغطي مساحة بين أملج والوجه. هذا جميل؛ فهي مناطق تستحق نصيبًا أكبر من التنمية. لكن لِمَ لا يكون المشروع على كامل امتداد البحر الأحمر، ضمن حدود المملكة؛ ليبحر عباب (الكروز) ساعات وأيامًا من حقل إلى فرسان في متعة بحرية سياحية، تتجاوز مجرد سكن الفنادق. جزر فرسان جاهزة لهذا المشروع؛ وجميل أن يشملها، ويشمل امتداد حدودنا على البحر الأحمر.
المشروع سياحي ترفيهي اقتصادي.. إلخ. أقترح عدم إغفال الجانب الصناعي ذي العلاقة، كأن يكون ضمن خطط المشروع (كمشروع لكامل البحر) تأسيس مدينة صناعية ذات علاقة، تحوي مصانع لصناعة القوارب والسفن، الاستثمار السمكي، المناطق الحرة... إلخ.
المشروع سيكون واجهة يسافر لها الناس من كل مكان؛ لذلك أتى ضمن مكوناته المقترحة تأسيس مطار جوي. هذا جميل لتخفيف العبء على مطارات قائمة بقربه. وسيكون جميلاً لو رُبط بسكة حديد أو نقل خفيف؛ لربطه بالمدن الرئيسة حولها، وبخاصة المشاعر المقدسة في مكة والمدينة؛ لتتكامل السياحة الدينية مع زيارات للطبيعة والاستمتاع بالسياحة البحرية.
مشروع تنمية البحر الأحمر ضخم، ونتاجه سيكون كبيرًا بإذن الله. الخواطر أعلاه مجرد وقفات توكيدية لبعض محتوياته، وآراء تتعلق بالمشروع، الذي لا يزال في بدايته، ونرجو له التحقق كما يجب.