سعود عبدالعزيز الجنيدل
تقول الدكتورة نوال العيد "هذه الآية يعتبرها الناس القول الفصل، والقضاء الذي لا يقبل الاستئناف على تمييز الذكر وارتفاعه عن الأنثى، ويردد الناس هذه الآية على أفضلية الذكر مطلقًا على الأنثى من دون قيد أو شرط، مع أن تفسيرها الصحيح يعطي معنى مغايرًا..."
في مقالي هذا سأتبنى كلام الدكتورة، ولن أبقر كتب التفسير.
أنا أؤمن تمامًا بعظم قدر الأنثى، التي غالبًا ما تكون أمًا في المستقبل، ولا يوجد شخص عاقل ينكر أفضالها، أو تضحياتها من أجل أبنائها.
وصف الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- الأم بكلمات لا استطيع أن أكتب شيئًا بعدها، قال في مذكراته: "إنها حملتك في بطنها، فكنت عضوًا من أعضائها، يتغذى من دمها، ثم وضعتك كرهًا عنها، اُنتزعت منها انتزاع روحها...ثم تضمه إلى صدرها، فتحس كأن روحها التي كادت تفارقها قد ردت إليها، وتلقمه ثديها ليمتص حياتها، فيقوى بضعفها، ويسمن بهزالها، أو يمدها الله بقوة من عنده، فلا تضعف ولا تهزل، ويقوى هو ويسمن... وكانت ترى فيك حياتها، إن تبسمتَ أحست أن الدنيا تبسم لها، والأماني قد واتتها، وإن بكيت بكى قلبها، وأسود نهارها، وإن مرضت هجرت منامها، ونسيت طعامها، ترعاك ساهرة حتى تصبح، فإن أصبحت ظلت ترعاك حتى تمسي، إنك لو أحببها بقلبك كله لم توفها إلا واحدًا من المائة مما أولتك هي من حبها...".
ما أروعها من كلمات، لإِنسانة تستحق استنطاق جميع المفردات الموجودة في أمهات الكتب، والمعاجم، لكي تصفها.
قصة قصيرة:
يذكر لي أحد الأصدقاء أنه في أحد الأيام اضطر اضطرارًا للمكوث مع طفليه (بنت وولد)، لأن زوجته معزومة في زواج قريبة لها، ولا يوجد من يعتني بهما.
يقول صديقي: قلت لنفسي هذه المهمة سهلة، ولن أفشل فيها. أخذ طفليه في حدود الساعة التاسعة مساء، وذهب بهما إلى أحد الأسواق.
يقول لي: إنه رسم خطة لهذه المهمة، وهي تكمن في إرهاقهما حتى يغلبهما النعاس، واستعان لهذه المهمة بالملاهي التي في السوق، فأشترى لهما بطاقة لعب، وجعلهما يلعبان كثيرًا، وبناء على كلامه، فالطفلان لعبا كل الألعاب المتوفرة، وبعد هذه الخطوة جاء دور العشاء، فطلب لهما، ولما حضر العشاء لم يستطع تناول شيء- العادة أنه يأكل طبقه بهدوء وسكينة لأن الزوجة تكون موجودة-، لأنه كان يقوم بمحاولات لإطعامهما، وغالبًا ما باءت بالفشل، فحركتهما السريعة لا يقدر عليها إلا من ألهمه الله الصبر.
ولما عاد إلى المنزل، بدأ يشعر بالنعاس، إلا أن طفليه لم يكونا كذلك، حاول أن يقاوم نعاسه خوفًا على طفليه، إلا أنه استسلم في الأخير للسطان الجائر، وأهمل طفليه، ولما عادت الزوجة وجدت الأب مستغرقًا في النوم، وطفليها في حالة لا يعلم بها إلا الله.
فأصلحت الزوجة ما فعله طفلاها، ثم ألبستهما لبس النوم، وناما في حضنها بكل هدوء وطمأنينة.
وفي الواقع هذا حال الأمهات في كل البيوت، فالأم في دوام كامل لا إجازة فيه، وأطفالها هم المنبه، متى ما استيقظوا فيجب أن تستيقظ معهم، ومتى ما ناموا فيجب أن تنام معهم، فحياتها مرتبطة بهم.
وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: "الزم رجلها فثم الجنة".
فمن كانت أمه حية ترزق، فهذا باب من أبواب الجنة، فليلزمه، ولا يفارقه.
ولا ينسى صاحبة الحمل الكبير، والمهمة الجسيمة -التي لا يقدر عليها أغلب الذكور- زوجته، التي وهبت جل حياتها لأسرتها ولأطفالها، وتركت الراحة ورغد العيش من أجلهم، فحري بنا أن نشكرها على ذلك، ولا ننس قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس".