د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
هناك انخفاض في أداء جميع القطاعات العقارية بجميع أفرعها، خصوصاً في قطاع الأراضي الذي لا يزال يعتبر المحرك الرئيسي ويستحوذ على 80 في المائة من إجمالي الحركة العقارية العامة بشقيها التجاري والسكني، أكيد بتأثير مباشر من القرارات الحكومية التي بدأت تشدد على بلورة القطاع العقاري وإبعاده عن المضاربة لصالح النشاط السكني والتنمية المستدامة التي غابت عن السوق في فترة طويلة أو غلبت المضاربة على الأراضي على التنمية المستدامة أو أنها لم تكن تصب في صالحها بل أعاقتها.
لا يزال القرار الحكومي في دفع رسوم الأراضي الذي اعتبر قراراً تاريخياً الذي أوقف المضاربة على الأراضي، لكن السوق العقاري لم ينتقل بعد إلى المرحلة التي تهدف إليها الدولة بسبب أن هناك توجساً من مستقبل العقار وهو ما يتضح من خلال إجمالي الناتج المحلي لقطاع التشييد والبناء خلال الربع الأول من عام 2017 الذي بلغ نحو 29.58 مليار ريال ليشكل بذلك نحو 4.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للفترة ذاتها البالغة نحو 642.96 مليار ريال بالأسعار الحقيقية أي سجل هبوطا بنحو 3.2 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2016 البالغة حينها 30.56 مليار ريال.
فيما بلغ حجم الناتج المحلي لقطاع التشييد والبناء خلال السنوات السبع الماضية للفترة (2010 – 2016) نحو 774.11 مليار ريال، وبمتوسط مشاركة من إجمالي الناتج المحلي نحو 4.7 في المائة أي أن الركود في قطاع التشييد والبناء كان منذ عام 2010 قبل أن تفرض الرسوم على الأراضي، وهذا يتضح أيضاً من حجم الائتمان المصرفي لقطاع التشييد الذي شكل فقط 7.3 في المائة من إجمالي الائتمان البالغة 102.5 مليار ريال في نهاية الربع الثاني من 2017 بسبب أن التمويل يركز على القروض قصيرة الأجل والتي تبلغ نسبتها نحو 49.9 في المائة بقيمة 706.5 مليارات ريال حتى نهاية مايو 2017.
أسعار العقارات تتراجع للربع التاسع على التوالي بإجمالي 14.4 في المائة بضغط من تراجع الأراضي سواء التجارية أو السكنية، حيث سجلت عدد الصفقات العقارية السعودية انخفاضاً قياسياً خلال شهر يونيو 2017 مقارنة بالشهر الذي سبقه بنسبة تزيد على 170 في المائة (الاقتصادية، 5-7-2017) خصوصاً في قطاع الأراضي مع الانخفاض الكبير الحاصل في الطلب في الوقت الذي تدفع الدولة بكل قوتها في سبيل إعادة السوق إلى وضعه الطبيعي، وهو الهدف الرئيسي في القضاء على تضخم الأسعار في كل أفرع القطاع، وهي فرصة لتهيئة الأرض الخصبة نحو انطلاق السوق العقاري، لكن هناك أزمة في إدارة السوق العقاري رغم أن وزير الإسكان أكد على أن مبلغ الـ 250 مليار ريال التي خصصها الملك عبدالله في بناء نصف مليون وحدة سكنية مودعة لدى وزارة المالية.
هناك انخفاضات متتالية في قيمة الصفقات مما يوحي بأن هناك نزولاً أكبر في القيمة بعد موجة عريضة من الارتفاعات خلال العقد الماضي فقط في أكبر سلسلة ارتفاعات شهدها القطاع العقاري السعودي لكن لم يواكب تلك الموجة ارتفاع في قطاع البناء والتشييد مما ترك فجوة كبيرة جدا من أن سوق العقار كان يعتمد على المضاربة في الأراضي وهو ما شوه السوق العقاري على حساب التنمية المستدامة التي كانت تسعى لها الدولة.
ما يحدث الآن من انخفاضات هو تصحيح للوضع العقاري التي بدأت ملامحه تتضح، لكن حتى الآن لم ينطلق السوق نحو المرحلة الجديدة في صالح التنمية المستدامة خصوصاً بعدما بدأت الدولة في تحصيل الرسوم، حيث كان هناك تسييل كميات كبيرة من الأراضي خلال الفترة الماضية رغم ذلك لا يزال التباطؤ والركود يخيم على السوق العقاري بكافة أفرعه.
المطورون العقاريون يعانون من أن هناك انخفاضات متتالية في قيمة الصفقات مع نزول ملحوظ في القيمة ويعتبرونه غير مكافئ للانخفاض في الطلب، ما يعني أن هناك انخفاضات مقبلة في القيمة بعد موجة عريضة من الارتفاعات لامست الضعف خلال السنوات الأخيرة ما يعني أن السوق العقاري لم يستقر حتى الآن، خصوصاً وأن القطاع العقاري ظل لعقود طويلة يسير حرا دون ضوابط ما دفع بالأسعار إلى مستويات مرتفعة تجاوزت الضعف خلال العقد الماضي فقط. وللتغلب على هذا الواقع دفع الدولة إلى الإقدام على تنفيذ مشروعات ذكية على غرار مشروع الفيصلية الذي يقع على مساحة 2450 كيلومتراً مربعاً اطلع عليه الملك سلمان في يوليو 2017 يحمل مواصفات عالمية للمدن الذكية يبدأ من الحد الشرعي للعاصمة المقدسة وينتهي في الشاطئ الغربي لمكة سيكون مطروحاً أمام القطاع الخاص المحلي والشركات العالمية للاستثمار وخصوصاً الشركات المنتسبة للدول الإسلامية بحكم موقع المشروع.
سينفذ المشروع على 7 مراحل وستنتهي جميع مراحل المشروع عام 2050 وجميع أراضي المشروع تعود ملكيتها للدولة وجزء بسيط مملوك لأشخاص، وسيضم المشروع مركز إدارة ومن ضمنها إمارة منطقة مكة ومركز إسلامي لجميع المنظمات والمؤسسات الإسلامية، كما سيتم إنشاء مركز أبحاث إسلامي ومراكز للاجتماعات والندوات والمؤتمرات إلى جانب أنه مشروع يضم مساكن وأسواق ومناطق للترفيه والتعليم والصحة وسيتم توزيعها بشكل علمي ومدروس على أرض المشروع.
نحن نحتاج إلى استنساخ هذا المشروع في أكثر من منطقة للتغلب على الواقع وعلى الركود والبطء الذي يعاني منه القطاع العقاري بجميع أفرعه.