سعيد الدحية الزهراني
أتحدث عما يشبه الأمنية الصعبة حين أحلم بقراءة واعية عميقة تستقرئ بدقة حال أبنية منظومة القيم الثلاث الخالدة: الحق والخير والجمال.. في ظل الثورة الاتصالية التواصلية الجديدة.. هذه التي أعطت للمستقر من المفاهيم دلالات إضافية جديدة وأحياناً مغايرة تماماً لمدلوله السابق..
في هذه التدوينة سأشير إلى قيمة الجمال (الاستطيقا) التي نعبر عنها أحياناً بالأمنيات.. حين يغدو الواقع ذاته افتراضياً.. سؤالي هنا عن شكل الانعكاس الحاصل لنظرية علم الجمال وفلسفته وتعاليمهما.. ما مدى الإيجابية أو السلبية بالنظر لوسائط الاتصالية الجديدة التي خلّقت واقعاً افتراضياً جديداً وربما (بمنظومة قيم جديدة)..
يورغن هابرماس صاحب نظرية الفعل التواصلي.. يرى أن فكرة وسائل الإعلام التكنولوجية تنمي نشر الآثار الفنية لدى الجمهور وبالتالي تحسن فرص التجدد المفيد للتجارب الاستطيقية.. وعلى العكس من الذين يرون الانعكاس السالب المترتب على قيمة الجمال جراء الاتصالية الإلكترونية.. لا يرى هابرماس إخضاع المنجز الفني للنظام الاقتصادي والتداولي الإلكتروني مسبباً لتحوّل المتعة الجمالية إلى تسلية بسيطة خالصة.. إذ إنها تعزز إمكانية نقل التجارب الجمالية إلى جمهور واسع لتجسد بالمحصلة النهائية (وعد السعادة) المتضمن في الآثار الفنية أو المعطى الجمالي الاستطيقي..
منصات النشر والاتصال الكوني اليوم أتاحت واحدة من أهم مكتسبات الحضارة الإنسانية.. وهي عملية ترويج وتدويل مضامين الجمال وأشكاله وعوالمه من مختلف ما أنتجته البشرية على مر العصور.. حتى تلك التي لم يبق من مصادرها سوى التخييل..
الجمال هو المعنى الروحي العميق للإنسان.. وحيث رآه استقرت روحه العميقة.. أبلغه ـ على الأقل كما أرى ـ أن يكون الجمال روحاً أخرى.. ترى هي الأخرى أنك أنت الجمال.. وهذا مالا تملك أتمتته ماكينة الاتصال الجديدة.