تركي بن رشود الشثري
العمل روح وجسد
لا وجود في هذه الحياة للكمال المطلق من جميع الوجوه، وعليه فلا بد من توطين النفس على استعياب القصور والتراجع والإخفاق والفقد؛ وإني لأقرأ في وجوه البعض حيرة واحتقاناً وانتظاراً مشوباً بيأس ومما زاد هذا المعنى رسوخاً وتمدداً الانفتاح العولمي وعرض جميع الأشياء أمام ناظري جميع الناس مما ولد شعور عميق بالغبن والنقص والاحتياج فوسائل التواصل تعدد لك الأشياء وتقنعك بضرورة التملك ومن ثم الاستهلاك لتدخل في دائرة مفرغة تتنقل بين محطاتها متملكاً مستهلكاً ومتفرجاً أحياناً كثيرة على من يتملكون ويستهلكون بعينين زائغتين، ومعنى ذلك التعذيب البطيء المنظم للروح وهو ما دعا كثيراً من الناس لتبادل مقولات الحكمة والقناعة وأنها الكنز الذي في المتناول وهو أيضاً كنز لا يفنى وهذا هو سر السعي المحموم من الإنسان إنه يسعى بشدة وتلهف للوصول إلى الخلود والكمال والاتكاء المريح بعد رحلة البحث المضنية على أريكة الطمأنينة النفسية والاستقرار الروحي ولذلك يتبادلون هذه الرسائل في هواتفهم النقالة ولا تكاد تخرج هذه التعليمات من برامجهم وتطبيقاتهم لتأخذ حيزاً من حياتهم إن مهمة أحدهم هي الإعجاب بالمقولة وتحديث النفس بأنها هي الحل السحري لجميع المشاكل وتنتهي صلاحية هذه الرسالة بعد عملية النسخ واللصق والإرسال للجميع والإشكال ليس هنا الإشكال يكمن في أن جميع المصابين بأدواء ومشاكل وتعسر حياتي يعلمون قبل غيرهم أن هذه الأدواء والمشاكل ليست وليدة اللحظة ولا بنت الليلة ولكنها عصارة عمر وذاكرة إنسان تكاسل واختار الطرق غير الآمنة حتى وصلت الحال إلى ما وصلت إليه، ويعلمون قبل غيرهم أيضاً أن تحسين الحال يكون بتغيير المسار ودفع تكاليف ذلك التغيير بنفس راضية قانعة لا نفس ناسخة لاصقة، ومهما تحدثت عن جمال القناعة والرضا والتوكل فكل هذا قد لا يعدو المسكنات التي تهدئ بها نفسك المأزومة وروحك المتعبة والتي سئمت تكاليف الحياة وهي لم تعش ثمانين حولاً كحال زهير وما لم تكن تلك المعاني السامية يقينيات تحيا عليها وتتطبع بها في تقلبات معاشك وركوبك طبقاً عن طبق فستتفاجئ من نفسك ويتفاجئ منك الآخرون والذين ظنوك بالقوة الكافية عند أول لطمة أو صدمة حياتية والحول والقوة بيد الله فأسأله من فضله، وليكن هجيراك الكنز الذي من تحت العرش لا حول ولا قوة إلا بالله وتكفيك عن كنوز الحكم التي يتداولها الناس في الواتس أب.
إن الرضا حال وعلم فلا تكن ممن يشقق الكلام عن هذه المنزلة ويطيل في النقول والاستظهار وهو خلو من حال الرضا وإذا من الله عليك بأن فتح لك هذا الباب فكنت راضياً فلا يضرك بعد ذلك ما فات عليك من مقولات في الرضا أو مسجوعات فأنت أنت.
يقول فريدريك لونورا : «وجود الإنسان واقعة حقيقية أما أسلوب عيشه فهو فن من الفنون»
العمل روح وجسد العمل عنوان كبير ومقدمة متينة أسهم الفلاسفة والناجحون في شرحها وأفاضوا في سرد تفاصيلها إن الانتقال من الكلام للعمل ومن القول للفعل ومن التنظير للميدان لهو المحك الذي يغربل الكلام والقول والتنظير ويجعله في حيز الامتحان ويدعوك قبل غيرك لفحص افتراضاتك وقياس أطروحاتك وتهذيبها وتنقيتها من الأفكار الضارة وتكميل ناقصها وترميم ما اهترأ منها واستبدال ما يمكن استبداله باختصار إنه يجعلك في لقاء حاسم مع نفسك بكل طموحاتها وشموخها وانكسارها ولا شيء يعزي النفس أكثر من بذل المقدور عليه والقيام بالواجب وعليه فأنت مطالب بالكف عن الكلام والابتداء بالعمل إذ كيف تحكم على نفسك بالفشل ابتداء وأنت لم تعمل أصلاً وسيأتي معنا المقصود من العمل فقد تكون في وهم العمل أو ظل العمل فترى نفسك منهمك وتعتذر عن المناسبات الاجتماعية بحجة أنك مشغول بينما الواقع أنك واهم ومساكن للظل ولا تبارح منطقة الراحة الخاصة بك ومن أمثلة وهم العمل وأوضحها روتينيات الوظيفة والتي لا تخدم المؤسسة التي تعمل بها بقدر ما تسير العمل ظاهرياً أحد الشيوعيين يقول متذمراً من الحكم الشمولي يتظاهرون بأنهم يدفعون إلينا ونتظاهر بأننا نعمل المثال الآخر تصفح الإنترنت بلا هدى والتشييك المستمر على الرسائل الخاصة في البريد الإلكتروني أو مواقع التواصل وحتى التغريد في تويتر لا يعتبر عملاً وإنجازاً وكلامنا ليس فقط عن ممارسات قد تنفع في ظرف أو وقت أو في موجة فكرية نحن نتكلم عن العمل الذي ينقلك من مستوى الهذيان الأفقي وشبكات العلاقات الوهمية إلى النمو الروح/عقلي العمودي إنه النماء والامتلاء المستدامين ولا يكون ذلك إلا بالوقوف التام على نقاط القوة والضعف ومعرفة ما نجيد وما لا نجيد والعثور على مادة الشغف والحماس في حياتنا فكل حركة في الكون فهي مبنية على الحب كما يقال في فترة ما من فترات حياتي كنت أعمل أعمال كثيرة متنوعة بل وتشي بشيء من التضاد فقال لي أحد الحكماء وكأنني أنظر إليه الآن وهو يمسد لحيته وينظر في الأفق قائلاً لو أتيت بصهريج ماء كبير وفرغته في هذه الساحة فماذا سيحصل قلت: سيتبدد الماء ويتوزع على سطح هذه الساحة قال ولو أنك جمعت هذا الماء في خزان فما الذي سيحصل فقلت: لقد وصلت الرسالة إن خزان الماء هو الإشباع الكامل لجوانب حياتك وهو كذلك البذل المنتظم الدائم والذي يظهر أثره على من حولك كذلك لا بد من التدريب المتواصل لبلوغرحلة الإتقان فعصرنا هو عصر الإتقان بامتياز وديننا الحنيف يدعو لهذه الخصلة ويعلي من شأنها (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) و (احرص على ما ينفعك ولا تعجز) ولا لذة تعدل لذة الإتقان والعمل بلا إتقان يشبه الثوب المخرق أو الحقل اليابس ويشبه العمل غير المتقن نعم ليس خطأ مطبعياً بل أقول إن العمل غير المتقن يشبه العمل غير المتقن فصورة العمل غير المتقن صورة منفرة غير مرغوب فيها وبحمد الله ومع الانفتاح التواصلي تيسرت قضايا المعرفة والتدريب والتواصل مع أهل الخبرة وتلقي الدروس المرئية والمسموعة بل وتلقي الدورات التي تكسب المهارات عن طريق التنمية المعرفية المستدامة وعن طريق الجد والمثابرة.