محمد عبد الرزاق القشعمي
قبل ست عشرة سنة - 1422هـ - زار الرياض الأستاذ عبدالعزيز السنيد قادماً من الدمام، وقابلته بمناسبة زواج، فطلب مني مرافقته في صباح اليوم التالي - وهو يوم خميس - إلى منزل الشيخ حمد الجاسر، وقد اعتاد الشيخ في حياته - رحمه الله - لقاء محبيه في هذا الوقت، وعرف أبو نبيل أن ابنه معن بن حمد الجاسر وتلامذة الشيخ يجتمعون جرياً على عادته في الموعد والمكان، وأنهم بصدد بداية إقامة محاضرات وندوات في هذا الملتقى الأسبوعي الذي استمر بعد ذلك حتى الآن وإن تغير موعده فبدل الخميس أصبح يقام صباح أيام السبت مؤخراً.
حضرت مع السنيد وقابلنا ابن الشيخ وبعض أصدقائه، وجرى حديث طويل عن ذكرياته مع الجاسر عندما كان مراقباً للتعليم ومشرفاً على مدارس موظفي شركة (أرامكو) وأبنائهم في الظهران، إذ كان السنيد من أساتذة مدرسة أرامكو لتعليم موظفيها في الظهران.
بعد أن خرجنا من منزل الشيخ الجاسر طلب مني أن نذهب لبداية شارع العليا من الجنوب ليزور صديقه المحامي محمد الهوشان في مكتب المحاماة، وقال إن أبا عمر من أصدقاء العمر.. وللأسف لم نجده في المكتب، رغم شوقي للقائه ولما سمعت عنه عندما كان موظفاً كبيراً في شركة أرامكو بالظهران عام 1955م، ودوره في إصدار جريدة (الفجر الجديد) والتي صدر عددها الأول في 18 رجب 1374هـ 11 مارس 1955م وتوقفت بعيد صدور عددها الثالث.
وكان للدكتور الهوشان دور حيوي، إذ هو من أسرة التحرير، عدت لأعداد الجريدة فوجدته قد كتب افتتاحية العدد الثاني الصادر يوم السبت 25 رجب 1374هـ الموافق 19 مارس 1955م تحت عنوان: (نريد فكرة.. لا أسلوباً)، افتتحها بقوله: «هذه الصحيفة لم تخلق لتكمل عدداً، بل لتكون شيئاً خليقاً بالاحترام وجديراً بالتشجيع.. » إلى أن قال: «.. لأننا نشعر أن زماناً كان الكُتَّاب فيه يتاجرون بثروتهم اللغوية قد ولى، ونحن اليوم في زمان يعالج فيه الكُتَّاب والأدباء أفكاراً مستوحاة من صميم الحياة ومستلهمة من الواقع الحي لا من الخيال المبهم الميت.. »، واختتم كلمته بقوله: «.. من هذا النوع من الكتاب - وهم كثر - نأمل المزيد من التشجيع والتوجيه، لتستطيع هذه الصحيفة القيام برسالتها نحو مستقبل أسعد» أبو عمر. ونجد له موضوعاً آخر في العدد نفسه يبدأ بالصفحة الأولى وينتهي بالصفحة الثامنة تحت عنوان: (دجال من وراء الأطلسي)، قُدِّم له بقوله: «تمت هذه المقابلة بين الأستاذ الهوشان وبين الكاتب ليلينتال عند مروره بالبلاد، وعندما كان الهوشان يعمل في أرامكو وقد استقال منها أخيراً، ونحن ننشر حديثه ليطلع الرأي العام العربي على وجهة نظر الكاتب اليهودي الحقيقية بشأن قضية فلسطين والعصابة الرهيبة (إسرائيل)».
ثم بدأ يستعرض كتاب الفردم. ليلينتال (ثمن إسرائيل) وقد اجتمع به مع عدد من كبار موظفي الشركة من السعوديين. كانوا يتوقعون أن يتحدث عن قضية فلسطين وإذا هو يسأل عن التعليم ومشكلات العامل السعودي وعن حياة البدو وغير ذلك. فوجه له الهوشان سؤال: «.. لا شك أن كتابك جعل العالم العربي يفهم أن هناك فرقاً بين (الصهيوني) و(اليهودي) ولكن هل هناك منظمة أمريكية تقاوم الصهيونية لها صحافتها القوية وكتابها القديرون؟!! » فأجاب ليلنتال: «إنه من الصعب جداً في الولايات المتحدة إيجاد مثل هذه المنظمة التي تقف موقفاً إيجابياً ضد الصهيونية، ولكن هناك من يهود الولايات المتحدة من يقف موقفاً سلبياً منها، وأستطيع أن أقول إنه ليس كل اليهود صهيونيون ولا كل الصهيونيون يهود .... إلخ». وأخيراً اقترح الإعتراف بإسرائيل على أن تتنازل عن صهونيتها وإيجاد حلف عسكري اقتصادي بين الدولتين الفلسطينيتين العربية والإسرائيلية على أن يكون الإشراف للولايات المتحدة وإنكلترا. وبعد أن طال الجدل بينهما اختتم محمد الهوشان كلمته بقوله: «ترى هل يمزق ليلنتال كتابه ويعود إلى أمريكا مقسماً أنه سوف لا ينكأ الجرح القديم الجديد ؟!».
بعد أن نشرت مجلة اليمامة في عددها (2394) ليوم الخميس 25-4-1437هـ مقابلة مطولة مع المحامي الدكتور محمد حمد الهوشان تحت عنوان (مشوار) تذكرت ما كان فقررت أن أكتب مستعيناً بما نشرته المجلة فوجدت أنه قد ولد في المدينة المنورة عام 1347هـ (1929م) وأكد ذلك بأن قال إن أحد خواله قال إن مولده كان سنة (السبلة) وهي آخر معارك الملك عبدالعزيز مع المتمردين، وأخذ يصف المدينة المنورة وقتها بأنه ليس بها شارع مسفلت سوى شارع العينية المرصوف بالحجارة، ولم تكن تعرف السيارات سوى سيارة وكيل الأمير وسيارات النقل الكبيرة التابعة لنقابة السيارات التي تأتي للمدينة أيام الحج، ولكن الغالبية من الحجاج يأتون على الجمال، ولم تكن هناك كهرباء سوى مولدات الحرم وقصر الإمارة، إذ كانت الشوارع تنار بالفوانيس.