نادية السالمي
«هذي البلاد يزيد وهو متكئ
على انكسار عيون الهاشميات»
أفلح الشاعر محمد عبدالباري فيما لم يفلح فيه المتنبي إذ لم يسمي بلدًا بعينه، وبهذا الفلاح يمكننا أن نسقط المعنى على أماكن شتى، وأشخاص كثر.
أنماط الخروج من الجحيم للوقوع في الجحيم:
أن تهرب النزيلة من منزل هي فيه مهانة إلى غرفة بمسمى زنزانة، أن تتوقى من الضرب المبرح من زوجها أو والدها أو أخيها بيدها أو بمخدة أو بركض في منزل مهما اتسع لن يشفع لها، لتُخلّد في غرفة لن تمكنها حتى من الركض لتوقّي صفعة أو كلمة جارحة،، كل ماعليها أن تقيم في ركن من الغرفة قصي وتواجه قدرها!.
نزيلة أخرى تجد أن ذنبها مكوثها في أحضان صندوق ملقى تنتظر فرصة انتشال من الشارع إلى دار أي دار تؤمن بإنسانيتها، وثالثة جريرتها أن العمر بها تقدم والصحة والعافية مع الأحلام عنها تخلت، فلفظها المقربين للبعيد!.
ورابعة له قضية وخامسة وسادسة..كل هذه القصص المأساوية الواقعية تشير إلى أن تجربة الاختيار بين جحيم وجحيم باءت بالوجع، وأن خيانة الأمانة في تطبيق معايير الجودة داخل دور الرعاية الإيواء والضيافة سلوك في الغالب يومي، عنوانه واحد انحدار الإنسانية.
طرد الإنسان خارج جوهره:
الذين لاهم لهم إلا شيطنة الآخر يستغلون أي وصفة وأي سلوك ليدعم موقفهم في النفخ في النار، حتى أن قول جيفارا سعوا للاستفادة منه لتطبيقه «إذا فرضت على الإنسان ظروف غير إنسانية ولم يتمرد سيفقد إنسانيته شيئا فشيئا» ويبدو أن بعض الدور تقاعست عن أداء دورها والعمل بجد وأمانة، فاختارت أقصر الطرق لتخليص المجتمع من النزيلة بأن تفقدها إنسانيتها لتتحول إما إلى وحش حاقد على من في داخل الدور ومن في الخارج، محمّلة كامل المجتمع ماهي فيه وماعانته من قسوة قبل الدخول للدار وبعدها، أو قد تُحوّل هذه المعاملة القاسية النزيلة إلى لا شيء، كائن خامل ينتظر أن يأتي طعامه وشرابه وموعد نومه، أو حجر ملقى على قارعة الطريق إن ركله أحد المارة لن يُسمع له توجّع ولا أنين، وبهذه المعاملة وهذا التحول تكون دور الرعاية قد ضربت بأهداف دور الرعاية ومكاتب المتابعة الاجتماعية، ورغبة الدولة في الإصلاح عرض حائط الأهواء والأفكار الموبوءة بالكفر بحق الإنسان فلا تأهيلًا عمليًا ومهنيًا بما يتوافق مع قدرات النزيلة يُهتم به، ولا محاولة جادة في غرس المبادئ والفضائل الإسلامية، مايعني غياب الحياة الكريمة، وفوق هذا رفض التمرد برفع شكوى للمسؤول!.
خطأ المجتمع في نظرته لدور الرعاية:
العاملات في هذه الدور هن بلاشك يحملن شيئًا ولو يسيرًا من أفكار المجتمع تجاه هذه الدور وساكنيها أيًا كانت أسباب الإقامة، لهذا العاملة مدججة بصورة مغلوطة عن النزيلة وأخلاقها وظروفها حتى قبل الاطلاع على حالتها من خلال ملفها أو رؤيتها وجهًا لوجه، وهذا أول الظلم الذي يقود إلى سلب النزيلة بعض حقوقها إن لم تكن كل حقوقها، وكأني بكل نزيلة تؤمن بقول جان بول سارتر من قبل أن تعرفه أو تقرأ قوله الذي يصف حالتها «حكم الآخرين علينا ماهو إلا محاولة لتحويلنا إلى موضوع بدلًا من النظر إلينا كذوات إنسانية» المطلوب لا يُفعّل، والمفعّل لا يكفي:
المطلب الحقيقي توفّر الإنسانية في قلب كل مسؤول ومسؤولة بهذه الفئة.
توفير الحد الأدنى من الرفاه والدعم المالي والاجتماعي.
تهيئة المباني المناسبة وغرف مريحة، وصالة رياضية.
ورش عمل فنية أو مهنية تمارس النزيلة فيها ماتُفرغ فيه بعض طاقتها السلبية.
إدارة مدربة وذات خبرة وقدرة.
مراقبة ومحاسبة الفاسدين، ومستغلي النفوذ.
الأندية الأدبية يجب أن تشارك في صنع موهبة أو وعي ونهوض فكر بدعوات تستحثهن فيها الوعي والنهوض.
من أجل الله:
الإنسان كل مايحتاج إليه (أمل) لتتفجّر قدراته على التغير وصنع ماينفعه وينفع مجتمعه، والقسوة لن تجدي إلا بتحويل الإنسان إلى حاقد ينتظر فرصة للفوز بلحظة ينتقم فيها من عجزه وكل من تسبب فيه، لن تتحول كل نزيلة إلى عضو فعال بلا شك لكن لا أقل من المحاولة والقيام بالواجب لانتشال النصف أو الربع.