قبل أن نتحدث عنِ المؤسسة الثقافية يجبُ أن نقول إن تعاريف الثقافة كثيرة كما قال: هيرسكو فتش، وقد ذكر أنَّ للثقافة مئة تعريف، ومع ذلك فقد أكَّد جميعُ الدارسين على شموليةِ مفهوم الثقافة الذي يرتبط بشكْلٍ أكثر دِقَّة بالإنسان وما يكتسبُه من معارف سواءً أكان ذلك بالتعليم أم بالتجربة واكتساب المهارات وزيادة الخبرات التي تحصل عليها منَ العمل.
إنَّ معنى قول النقاد حول تعدُّد مفاهيم الثقافة هو دالٌ بكُلِّ تأكيد على كثرة مهام العمل الثقافي إذ يتجاوز الإبداع والأدب إلى فضاءٍ أكثر رحابةً، وأكثر تنويعًا، والكلام السابق يؤكِّد على أنَّ المثقف الذي يختزل الثقافة في الأدب لم يستوعبْ مفاهيم الثقافة بشكلٍ جيِّد.
إنَّ المشتغلين في النقد الثقافي قد درسوا الخطابات دراسةً ثقافيَّةٍ تنطلقُ من قاعدةٍ لا تحيدُ عنها، ألا وهي شمولية مفهوم الثقافة واتِّساعه، وأهم الدارسين العرب في هذا السياق الدكتور عبدالله الغذامي الذي آمن بالنقدي الثقافي بوصفه عملية نقدية حديثة تجعلنا نستوعب جميع الأبعاد للخطاب الذي نقوم بدراسته ثقافيًا.
بعدَ أن تناولْنا مفهوم الثقافة، وقمنا بالتأكيدِ على اتِّساعه وشموليَّته، يحقُّ لنا أن نسأل أنفسنا ذلك السؤال المهم ألا وهو: هل استوعب القائمون على مؤسَّساتنا الثقافية سِعة مفهوم الثقافة، وتعدُّد معانيها، وكثرة دلالاتها كما ذكرنا في بدايةِ هذه المقالة.
إنَّنا عندما نطَّلع على أنشطةِ مؤسَّساتنا الثقافية سنجدها تُخْتزَل في المجال الأدبي، وفي المجال الفني وإن كان هذا بشكْلٍ أقل، وعلى هذا الأساس نستطيع القول إنَّ مؤسَّستنا الثقافية هي محصورة في الفن والأدب وهذا يخالف جوهر الفعل الثقافي الذي يمْتدُّ إلى عوالم شتى منها العلوم التربوية والاجتماعية والنفسية والفلسفية والقانونية، وغير ذلك من معارف وعلوم ومجالات تندرج تحت مسمى ثقافة.
لو ألقينا نظرةً بسيطةً على المناشط الثقافية في بعض الدول المتقدمة، وكذلك الدول المجاورة لنا لوجدْناها متعدِّدة ومتنوِّعة وغير مُختزَلة في موضوعات أدبية، وأعمال فنيَّة وفي هذا السياق أضرب مثالاً بمركز الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان للثقافة والإعلام بإمارة أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك المركز القومي للترجمة بجمهورية مصر العربية، فعندما تتَّبع أنشطة الشيخ سلطان بن زايد ستجدها منوعة إذ تُلاحظ أنَّ لديه محاضرات في الهندسة المعمارية، والقانون، والاقتصاد وغير ذلك من موضوعات شتى.
إنَّ المفهوم النظري للثقافة يجب أنْ يتمَّ توظيفه كما هو بشموليَّته في مؤسَّساتنا التي تُعنى بالشأن الثقافي، وهذا كفيلٌ بزيادة مدارك المتلقي الذي يصبو إلى مزيدٍ منَ الفعاليات المختلفة التي تراعي اختلاف المثقفين في ميولهم وتخصُّصاتهم، وأعتقد أنَّ الهيئة العامة للثقافة التي أمر سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بإنشائها ستعمل بشكل واسع ثقافيًا.
- راشد القثامي