تنهض رواية (عتق) لمبدعها السعودي (إبراهيم مضواح الألمعي) الصادرة عن دار جداول للنشر والتوزيع بالكويت 2013م على حكاية معروفة ومسبوقة، تروي قصة زواج سعد التقليدي من ابنة خالته زاهية، التي أصرت أمه المصابة بالسرطان على زواجهما، حتى تطمئن أن هناك من سيقوم على شؤونه قبل أن تفارقه. خوفته من أن تطير زاهية من بين يديه.
(كان يطمئنها مازحاً بأن زاهية لا تملك أجنحة، بل إنه من سيفقد أجنحته عندما يتزوجها، فستشده إلى البيت كما تشده الوظيفة كل يوم إلى قبو رطب في مكتب البريد، تحت إدارة رجل مسنٍ يجلس على مكتبه لساعات كصخرة يغطي نصفها التراب.
- زاهية بنت طيبة وحلوة، ولديها وظيفة، ريح خاطري وتزوجها لأطمئن عليك من بعدي
- أنت بخير يا أمي، وسأتزوج زاهية، وترقصين في زواجي. قالها مبتسماً
- عجل إذا كنت تريد أن أرقص في زواجك
- لا بد أن أطمئن على صحتك أولاً
- أطمئن أنا طيبة، وسأخطبها لك من خالتك
- كما تحبين يا أمي) ص: 90
تمت الخطبة، وعقد القران، وأقيمت حفلة صغيرة، كانت مصدر فرح أخير لأم سعد، وتم الحفل المقتصر على أقارب العائلتين والجيران؛ لتشعر أمه أنها تدق باب الأبدية (بعد أن اصطحب سعد زاهية مغادرين حفلة الزواج إلى حيث سيقضيان الأيام المقبلة. شعرت أم سعد بأن الله تقبل دعاءها فأجّل موتها حتى اطمأنت على سعد) ص:11
وتموت أمه، وينتقل سعد ليعيش في بيت خالته مع زاهية، لتبدأ خيوط مأساة حياة كل من زاهية وسعد وقد تأخر إنجابها، مما يضطره إلى التجوال على الأطباء والمشايخ، فيظهر سعد بمظهر صاحب العلة في عدم الإنجاب.
- (أرجوك لا تغير الموضوع.
- حبيبتي أنت تعرفين كم أحب الأطفال؟ ولكن الأمر ليس بيدي.
- ولكن ما ذنبي أنا؟
- ذنبك أنك زوجة رجل لا ينجب) ص: 35
يستمر سعد في موقفه، وأنه رجل لا ينجب، فيعرض عليها استرداد حريتها (القرار بيدك، إن رغبت أن تأخذي فرصتك مع غيري فلن أغضب منك، خذي وقتك الكافي، واتخذي القرار) ص:39. وتقابل موقفه بالتمسك به، وأنها ستعيش معه إلى آخر يوم في حياتها، وإن كان في أعماقه يرغب بغير ذلك حتى تكتشف الحقيقة، بعد أن تجتهد على فتح حقيبته، وتطلع على ما فيها من أوراق وصورة لامرأة أخرى، تكشف الأوراق التي هي عبارة عن تقارير طبية، تفيد بعد عرضها على أخصائية: (هذه نتائج تحليلات قديمة لمراجعاتي أنا وزوجي أريدك أن تطلعي عليها أولاً:
- زوجك اسمه سعد الشافعي؟
- نعم الشافي، تحليله القديم هذا بخصوص القدرة على الإنجاب، يشير إلى أنه سليم، ليس هناك ما يمنعه من الإنجاب.
وهذه نتيجة تحليلاتك، تقول إن هناك تشوهاً في الرحم يتعذر معه الإنجاب) ص37
فتدرك أنها لم تكن خلال زواجهما زوجة مخدوعة في غرفة نومها، تلقي بين يديه شنطة السمسونايت مفتوحة وهي تصرخ.
( - لماذا أخفيت عني الحقيقة؟
- حقيقة ماذا يا حبيبتي؟!
- لا تراوغ، أنت تعرف ما أعني
- صدقيني لا أعرف عما تتكلمين؟
- أقصد نتائج التحاليل
- حبيبتي، اهدئي وقولي لي ماذا قالت لك الطبيبة؟
- قالت الحقيقة التي أخفيتها عني كل هذه السنين، أخبرتني أني أنا العاجزة عن الإنجاب ولست أنت) ص:39.
ويتنامى الصراع الداخلي بينهما، كل على حدة، هو لم يخفِ الحقيقة لأنه يحبها بل حفاظاً على رغبة أمه، وما عرضه عليها بالانفصال إلا إلحاحاً لرغبته المخزنة في ذاته.
هي تشعر أنها مخدوعة، ولاسيما بعد أن عثرت في حقيبته على صورة امرأة أخرى؛ فتشعر أن خيوط الثقة به بدأت تتحلل وتختفي.
(لن أبقى عالة عليه بعد اليوم، سأعيش بكرامتي، حتى صورة عشيقته ما زال يحتفظ بها تحت سريري. قالت ذلك وهي تدفع كرسي أمها باتجاه الصالة حيث يجلس سعد). فتحت الشنطة وأخرجت الصورة التي لم يقنعها تبريره بأنها لفتاة كان ينوي الزواج منها، ولم يكتب النصيب، ويخرج من شقتها غاضباً، ليلح على عقله خاطره القديم الجديد وهو الانعتاق في فضاء الحرية (كل ما أصبو إليه أن أعيش حراً بلا قيود، بلا مواعيد، بلا تحديق في الساعة، بلا ساعة منبه، بلا ارتهان لدفتر حضور وغياب وانصراف، وبليد لا أستطيع أن أحترمه، ليس طموحاً كبيراً أن يكون لي رصيد متواضع في البنك يكفي لحياة حرة، ونزوات صغيرة، وعلاقات عابرة، وتنقل بين المطارات، والمترو والمقاهي والفنادق والمكتبات والمتاحف والمعارض والحدائق، لماذا تستكثر علي الحياة أن أعيش كما أحب، وفي المكان الذي أجد فيه نفسي حرة بلا قيود) ص:45
وتمضي الأيام من دون أن يعود إلى البيت أو يتصل أو يرسل رسالة، مما جعل القلق يساور زاهية بشأن الضباب، ولكن من دون أن تشعر بشوق لرؤيتها، وزاد قلقها تأنيب أمها المستمر، وتحميلها مسؤولية تخريب حياتها الزوجية، حتى يتخذ سعد قراره، ويطلق زاهية، وبعد طول تفكير في أمر إيصال وثيقة الطلاق إلى زاهية، رأى أن المواجهة هي الحل الأفضل، فيذهب إلى بيت خالته التي رحبت به، سألها عن زاهية، فاعتذرت له بسبب هموم المدرسة.
- فرج عبدالوهاب