كأن التيه تمدد في أوردة الزمن، منذ النفير الأول وحتى النمير الكائن في استباقية الفصل الأخير، حيث اندمج في النقائض بين السرعة والبطء وتحول إلى دوامة تبتلع (المنكوب) وتحفر للغر الطروب، حتى ترمي بهم سوياً في مكب المتاهة المظلم، فلا يعلو حينها شيء على صدى الأسئلة المبعثرة، المرمية بشرر من كل أولئك المتضررين (كيف، من، لماذا، متى) في استفهامات تكاد أن تجلي الطمأنينة من النفوس!
أهذه هي حقاً عدالة الزمن؟!
إنه من الصعب حقاً أن تشعر بأن الزمن يعبرك، وينفذ من مساماتك دون حسيب أو رقيب ليعبث بكل اليقين الكامن في قعر قلبك، وأنت متسربل بالبياض، وكل شيء يتحول إلى أزمة قبل أن تفرّغ من نسكك، فتؤمن حق الإيمان بأن الزمن ليس حليفاً لك، وأن الزمن هو العدو.
سؤال بثينة العيسى في روايتها الرائعة جداً (خرائط التيه) كان سؤالاً خادشاً لحياء الإجابة التي هربت من ساحة الحياة وتركت الحرية للسائل بأن يطرح كل أسئلته المجنونة التي شوشت عقله، وشغفت قلبه إما إعراضاً بشك، أو إقبالاً بيقين، فقد كان السؤال الأوحد المتكاثر اللا نهائي يقول: «كيف يمكنك أن توقف تدفق هذا النهر الأبدي الذي يسمونه الزمن؟ إنه يجري بعيداً، بعيداً صوب الاحتمالات المؤسفة» هذا الزمن لم يعد وقتاً يقطعنا ونقطعه، بل صار خريطة للتيه والتائهين، ومطرقة تضرب رؤوس الحيارى، لقد صار هو فعل الحدوث الذي يسبق النية المطوية في جلباب السكينة والتروّي. سمية التي تفقد ولدها في ساحة الحرم، فتدور في حلقة مفرّغة بين صراخ وخوف وحزن شديد، يليه الإعياء والتعب ومن ثم (التصوف) والعتب، يقابلها على النقيض زوجها فيصل الذي يجري إلى حيث لا يدري، فيصيبه الإعياء والهبوط باكراً، وينزلق إلى عالم موحش من الشك والبعد عن الله بعد أن تربص الشيطان بإيمانه في ذات نكبة، ثم يأتي بكل ما سكن في خاطره من عتب وأسئلة وترسبات حزينة يلقيها وهو يخلع إحرامه بوحشة شديدة، وكأن هناك شخصاً يتلبسه ويسكنه وليس هو.
أخيراً أختم بما جاء على غلاف روايتها وذلك التساؤل الكبير:
نبيع كل شيء، ولا مال لدينا لنشتري أنفسنا، ماذا لو كانت قيمة الإنسان ميتاً أعلى منه حيا؟!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
@AaaAm26