لن أكون عميقًا في طرحي لو أني حاولت نزع السلطة عن الفن تماما؛ فالسلطة تتغلغل في كل مجالات الثقافة لدى البشر؛ سواءً أكانت هذه السلطة سياسية أم دينية أم اجتماعية بل حتى وإنْ كانت معرفية، فالسلطة هي عامل أساس في تكوين ثقافة البشر؛ لكن الإشكال يكمن حينما تبحث الثقافة أو يبحث الفن عن هاته السلطة لترعاه؛ فيكون البون شاسعًا بين مَنْ تتلبسه السلطة ومَنْ يتلبسها. الفن هو المجال الأكثر رحابة في إظهار تنوع المجال الثقافي لدى البشر؛ فالفنانون يُحوِّلون الثقافة إلى ألوان وأشكال بل وإلى ذوات (فن النحت)، ومن هذا فإن السلطة تطمح كثيرًا أن تكون راعية لهذا الفن ليخدم مجالها؛ فالسلطة الدينية تريد أن تظهر طقوسها من خلال الفن؛ كما أن السياسي يريد أن يُشرْعِن سلطته من خلال الفن؛ وحتى الثقافة الشعبوية تريد أن تفرض سلطتها من خلال فن الفلكلور، فالفن والسلطة بينهما سجال يتوافق أحيانا ويتنافر أحيان أخرى. ولعلنا نعلم كيف حاولت السلطة السياسية الاشتراكية أن تفرض الفن (الملتزم) بأدبياتها ؛ و تجعله خادمًا لسلطتها من خلال ادعاء خدمة (البروليتاريا) ؛ حتى وصل بها حد القتل لمخالفي سلطتها ، كما أن السلطة الليبرالية حاولت أن تدعم الفن الذي يمجد أفكارها الليبرالية (و أحيل هنا إلى دراسةٍ قدمتُها حول السلطة الثقافية الأمريكية على أفلام الأوسكار) ، و في مجال السلطة الدينية فنحن إزاء تضخم هائل للطقوس الفنية التي نراها على المعابد و أماكن العبادة في كل الأديان، و أما في مجال الإعلام فنحن أمام سلطة جديدة ظهرت من خلال قوة الشاشة التي حاولت جلب الفن إليها ليكون مصدر ربحٍ لها؛ و هذا ما يَسِمُ سلطة الإعلام عن غيرها ؛ الربحية ، فمن الممكن للإعلام أن يحول الفنان إلى مصدرٍ تجاري له؛ كما أن الفن سيعمل على إثارة غرائز البشر الجنسية و السلطوية ؛ فنجد الصورة المتمردة الناشز التي تنظر إلى الشاشة بطرف عينها أثناء أداء فنها الموسيقي من خلال (فيديو كليب) لتعمِّق مدى قوة سلطتها على غيرها من البشر ؛ فهي محاولة لإثارة غريزة حب التسلط عند البشر. ويمتد هذا التسلط إلى العديد من الفنون بشتى أنواعها بدءًا من التمثيل السينمائي و انتهاءً بالغناء مرورًا بالفن التشكيلي، و لعله من المثير للإعجاب هنا أن نشير إلى الفنانة الواعدة (فايا يونان)؛ التي رفضت سلطة الإعلام عليها بشراء عقد معها؛ و لجأت إلى الجمهور المحب لفنها لدعمها من خال التبرع لأجل الفن في صفحاتها الاجتماعية؛ وهذا لا يقلل من قيمتها الفنية بقدر ما يرفع من مستوى وعيها بقيمة الفن ذاته؛ فالفن إذا تسيّس أضحى برنامجًا ذا مهمة سلطوية و ليس فنًا يلامس عقول و أفئدة المتابعين و المتذوقين للفن.
- صالح بن سالم