كثيراً ماتجد نفسك عاجزاً عن فهم وتفسير ظواهر لا منطقية كحصول فيلم سينمائي تافه رديء على أعلى الإيرادات او تحقيق أغانٍ هابطة أعلى مبيعات ! هذا التردّي المقيت الغير مفهوم يصب في رؤوسنا ويتحوطنا ليل نهار بكل أشكال الميديا و وسائل التواصل حتى تشعر بالإسفاف والتحقير، حتى انمسخت الروح ونضبت الذائقة وفقدنا الشعور بالجمال.
اذا قرأتَ كتاباً مذهلاً مثل (سيكولوجية الجماهير) لغوستاف لوبون - وهو مؤسس علم نفس الجماهير و واحد من اهم علماء الإجتماع - تدرك أن العالم يتحرك كتلة واحدة وإن توقفت قليلاً شعرت بشيء من العدمية والبؤس ولا يمكن لك أن ترابط بمكان. قد تكون هذه النظرية مسؤولة عن صعود بعض التافهين فوق رؤوسنا واستجداء الاهتمام والنجومية ومن ثم الى تسطيح الفكرة وخواء المضمون. يقول لوبون: «حين ينخرط الفرد مع الجمهور يتغيّر وينصهر، فالنفسية الجماعية لفئة من الناس ليست محصلة النفسيات الفردية. كما أن النفسية الجماعة ليست محصلة لمجموع نفسيات الأفراد» يعتقد كثيرون أن السبب لرواج الفن الرديء، الكتاب الرديء، او انتشار ماهو تافه وغير مفهوم هو أن مستوى الجماهير هابط او سقف الوعي والذائقة تموج دون دليل وهوية وأنا اعتقد غير هذا، الأمر يعود الى قطب آخر أهمل في التحليل والمعاينة، وهو أن الزخم والبلاء الذي امتلأت به رؤوسنا وتزاحمت به خيالاتنا صنع شيئًا من ركاكة في الذائقة وهوس بالتجديد والهروب من مما ممل، هذا بالمجمل يؤدي الى تصنّع الدهشة بما هو تافه وغير مقنع. الملل والفراغ اذا ألفى الرأس احتل كثيراً من الخواء وعدم الجدية او الجدوى والاستمتاع بما هو جميل.
قبل عشر سنوات فقط او يزيدون كانت الناس تلقي بالاً للنقاد وكتب التحليل الفني لإكتشاف آليات الجمال والإبحار في مآخذ الإبداع، اعتقد في هذه الأيام لا يقرأ لكتّاب النقد عدا الأكاديميين والدارسين! هناك عدم جدية للعقول، لا تُذكي الشعور والعيون لبواطن الإبداع.
اعتادت الجماهير الإسفاف حتى اصبحت الرداءة والتماهي معها بانعدام القيمة، الإحساس بإنتقاص القيمة يتطور الى الشعور بحالة الإحباط الجماعي وسماها لوبون «بالعدمية» وهذه أسوأ الأمرين لأنه موت تدريجي للفن، متى ما قتلت الإنسان فأنت تقتل معه ذائقته وقلبه وخياله ومن ثم ثقافته ومكانته الإجتماعية ونعود أدراجنا الى الهمجية دون أن نشعر!
على الناصية الأخرى.. كن إنساناً جميلاً لا يقبل إلا الجمال، مبحراً مكتشفاً ولا تسلم طبلة رأسك او أذنك للطنين والضوضاء ولا يقتسم همومك إلا ماهو مجدي ومرضي.
- هتون السويلم