اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
أجمع كل المؤرخين تقريباً والمهتمين بتوثيق إرثنا الحضاري الغني الفريد النَّادر من قديم وحديث، على أن سيِّدي الوالد خادم الحرمين الشَّريفين، المليك المفدَّى، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، وسدَّد على طريق الخير خطاه، يعد أشبه أبناء المؤسس والد الجميع، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، طيَّب الله ثراه وجعل الجنَّة مثواه، وجزاه خير الجزاء على هذا الإنجاز الاستثنائي الذي ورَّثَنَا إيَّاه: وطناً بحجم قارة، صاحب رسالة سامية عظيمة، يتشرف بخدمة الحرمين الشَّريفين والمشاعر المقدسة، ويحشد كل ما لديه من إمكانات للوقوف على راحة ضيوف الرحمن، الذين يسعون إليه من كل فجٍ عميق، ليؤدوا عباداتهم ويشهدوا منافع لهم؛ ويسعى بجانب هذا لتحقيق الخير للبشرية كلها، ويبذل الغالي والنفيس لمحاربة الشَّر بكافة أشكاله.. فتلك هي رسالتنا في الحياة التي دونها خرط القتاد.
أقول: أجمع أولئك المؤرخين من قديم وحديث، على أن سيِّدي الوالد سلمان، يعد أشبه أبناء المؤسس به.. حزماً وعزماً وحسماً وإقداماً، وعدلاً منقطع النظير، وحنكة وحكمة ودهاءً وشجاعة وفراسة ووفاءً وإخلاصاً، وصبراً على المكاره، وعشقاً للخير وبغضاً للشَّر، ونصرة للمظلوم، وغيرة على المحارم، وشخصية قيادية جاذبة مؤثرة، واعتزازاً بهذه الرسالة السَّامية العظيمة، التي خصنا بها الخالق المنعم الوهَّاب، عزَّ وجلَّ. ولخص البعض هذا كله، فقال: سلمان أشبه أبناء المؤسس به، خَلْقَاً وخُلْقَاً.
وبالمثل، يُجْمِعُ اليوم كل المهتمين بتاريخنا وتوثيق إرثنا الحضاري، على أن أخي صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد الأمين، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، حفظه الله ورعاه وسدَّد على طريق الخير خطاه، هو أشبه أبناء سيِّدي الوالد، خادم الحرمين الشَّريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود به، في كل ما كان سلمان يشبه فيه المؤسس.
ويؤكد أخي الدكتور عبد الله بن ثاني، الذي يعجبني شعره كثيراً لجزالته وفصاحته وبلاغته وعمق معانيه، هذا الشَّبه بين المؤسس وقائدنا سلمان وولي عهدنا الأمين، في قصيدته العصماء التي هنأ فيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بهذه الثقة الملكية الكريمة الغالية، التي نشرت بجريدة الجزيرة، الخميس 19-10-1438هـ، الموافق 13-7-2017م، العدد 16359، ص3، إذ يقول مخاطباً ولي عهدنا الأمير محمد بن سلمان:
تَسُودُ ومن عبد العزيز شَكِيمَةً
وَتَنْمى ومن سلمان قَرْمَاً وَسَامِيَا
ولا غرو في ذلك، فقد تربى سموه الكريم في كنف قائدنا سلمان، مليك الوفاء والخير والإحسان، فنشأ كما ينشأ عادة الفتيان النجباء، أبناء القادة العظماء. فلمح سلمان في وقت مبكر من طفولة ابنه النَّجيب، ذكاءه ونبوغه، وشجاعته وفراسته وصراحته وإقدامه، بجانب تلك النفس الكريمة المشرئبة للخير، المترعة بالطموح، المتعطشة للعمل، المتطلعة دوماً للأفضل. ولا شك أن معظمنا، إن لم يكن كلُّنا، قد شاهدنا ذلك الشريط المصور (الفيديو) عبر وسائل الإعلام، الذي ظهر فيه الأمير محمد بن سلمان في طفولته المبكرة أثناء دراسته في المرحلة الابتدائية، وهو يلقي كلمة في حضور والده. فيتحدث كما يتحدث القادة الكبار، ويخاطب والده الكبير مرحباً: والدي الحبيب. وينصت الوالد الحبيب إلى كل كلمة ينطقها ابنه النَّجيب، بل يتابع كل حرف باهتمام شديد. فيدرك قدرات ابنه، ويتعهده بالعناية والرعاية، كسائر إخوته ويجعله ملازماً له.
ولم يكن للفتى النجيب أن يضيع فرصة ثمينة مثل تلك، فقلَّما تُتَاح لإنسان صحبة رجل كبير نبيل، وقائد جسور صاحب قدرات قيادية وإدارية نادرة، كوالد الجميع سلمان. فينهل من خير معين، وينشأ كما أراد له والده متدثراً بصفات القادة الكبار من ذكاء لماح وحزم وعزم وقدرة على اتخاذ القرار السليم في اللحظة الحاسمة، وجود وكرم، وقوة وشجاعة، وإقدام وجسارة، وصدق وصراحة، وحكمة وتسامح وعطف ورأفة، وزهد وتواضع، وتقوى وورع، وعشق للخير وبغض للشَّر، وحرص على مساعدة الضعيف ونصرة المظلوم وإشاعة العدل بين الناس جميعاً محبهم ومبغضهم، كما كان المؤسس يوصي أبناءه دائماً.
وبجانب هذا كله، لم يركن سموه الكريم للراحة والدِّعة وحياة القصور كما يتصور البعض خطأً، بل أخذ نفسه بالشدة، فتعلم العلم، وكان من الأوائل المتفوقين في دراسة القانون، إذ كان الثاني على دفعته بشهادة جامعته التي تلقى فيها العلم، بل قبل ذلك، كان ضمن العشرة الأوائل على مستوى المملكة في امتحان الثانوية العامة؛ ثم انطلق ينهل من معين العلم الذي لا ينضب، من خلال عديد من البرامج والدورات المتخصصة. وقد جمع أخي الدكتور عبد الله بن ثاني تلك الخصال في قصيدته التي أشرت إليها آنفاً، في بيت واحد جامع شامل، إذ يقول مخاطباً سمو ولي العهد الكريم:
تكَامَلْتَ أخلاقاً وَمُذْ كُنْتَ يَافِعَاً
فلم تَكُ مَزْهُوَّاً ولم تَكُ لاَهِيَا
فكل من عرف سيرة هذا الأمير الشاب النَّجيب، الذي أدرك باكراً قيمة الحياة وأهمية الوقت وضرورة العلم لكي يؤدي الإنسان رسالته في الدنيا على الوجه الذي يرضي خالقه، لا يستغرب سرعة ترقيته في المناصب، منذ تعيينه مستشاراً متفرغاً بهيئة الخبراء في شهر أبريل من عام 2007م، حتى تسنُّمه ولاية العهد ونيابة رئاسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء السعيد السابع والعشرين من رمضان 1438هـ، الموافق للحادي والعشرين من يونيو 2017م، في أغلى عيدية يقدمها المليك المفدى، كعادته دائماً لشعبه الوفي، بمباركة (31) عضواً من إجمالي (34) عضواً يشكلون هيئة البيعة. سعياً لتحقيق الوحدة واللحمة الوطنية، والتآزر على الخير، والاعتصام بحبل الله، والحرص على الأخذ بالأسباب الشرعية والنظامية، ورعاية لكيان الدولة ومستقبلها لاستمرارها على الأسس التي قامت عليها لخدمة الدين ثم البلاد والعباد بما يحقق الخير لشعبها الوفي، كما جاء في الأمر السَّامي الكريم. فتدافع الناس يتقدمهم سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ والأمراء والوزراء والمسؤولين في كافة القطاعات الحكومية، إضافة لأبناء هذا الشعب الوفي بكل فئاته في كافة مناطق المملكة، لمبايعة الأمير محمد بن سلمان بولاية العهد على السمع والطاعة في المنشط والمكره؛ ثم تبع ذلك مبايعة مواطنينا الأوفياء في الخارج الذين توافدوا لسفارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حيثما كانوا مهنئين ومبايعين، لاسيَّما أبنائنا المبتعثين ومرافقيهم في كل قارات الدنيا.. مستبشرين بهذا الأمر السَّامي الكريم، متطلعين لغد مشرق في ظل قيادتنا الرشيدة. كما انهالت برقيات التهاني والاتصالات الهاتفية من كبار القادة والمسؤولين في مختلف دول العالم، من أمريكا غرباً حتى الصين شرقاً، لإدراكهم لمكانة الرجل الذي اختاره ملكنا المفدى للعمل معه في قيادة هذه المرحلة من عمر دولتنا الفتية ومعرفتهم التامة به.
أقول: لهذا كله وغيره كثير مما تضيق هذه المساحة عن سرده، كان شبل الأسد، نجم السعد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، وسدَّد على طريق الخير خطاه، جديراً بهذه الثقة الملكية الكريمة بتعيينه ولياً للعهد، نائباً لرئيس مجلس الوزراء، إضافة لاحتفاظه بمنصب وزير الدفاع وما كلف به من مهمات أخرى.. فمن غيره اليوم لحراسة العرين في هذا الوقت الذي تكالب فيه الأعداء، وللأسف الشديد، ناصرهم بعض الأشقاء، واهمين أو متوهمين أنهم باستطاعتهم تعطيل مسيرة الخير القاصدة في وطن عبد العزيز. بل بلغ الحقد بذلك البعض من الأشقاء، تجديد أحلام الخميني والقذافي في المطالبة بـ (تدويل الحرمين الشريفين)، في جرأة شنيعة على بيت الله تعالى، لا أعرف لها مثيلاً في تاريخنا المعاصر غير جرأة إيران ومحاولتها البائسة لاستهداف بيت الله وضيوف الرحمن بصواريخ الشَّر والخذلان، التي كان حرياً بها أن تناصر بها فلسطين، إن كانت فعلاً صادقة كما تدَّعي. وأقول لهم ولغيرهم ولكل من تسوِّل له نفسه الأمارة بالسوء الاعتداء على مقدساتنا: تبَّت يداكم وتب. فليس عاقبة أبرهة منكم ببعيد، إن كنتم تقرؤون التاريخ. وإن كنت أشك كثيراً في أن يكون لكل أحمق يُقْدِم على مثل هذا العمل الشنيع، عقلاً يقرأ به أو يعي شيئاً، غير التيه في دروب الضلال.
أقول: استحق ولي العهد، أخي الأمير محمد بن سلمان هذا المنصب الذي يُزهى به، بكل جدارة واقتدار، فقد أثبت طيلة عمله في كل المهمات التي أوكلت إليه قدرة فائقة على العمل والإنجاز بتميز وإتقان، لاسيَّما خلال السنتين الأخيرتين؛ فقد كنَّا نراه يشد الرحال إلى مختلف قارات العالم، زائراً الدول المؤثرة من الصين شرقاً إلى أمريكا غرباً، سعياً لترسيخ علاقات وطيدة معها، ومؤسساً لشراكات استثنائية، تعود بالنفع العميم على بلادنا. فكسب ثقة المجتمع الدولي، وأذاب كتل الجليد التي كانت تكتنف علاقات بلادنا مع هذه الدولة أو تلك لشيء في نفس يعقوب؛ فتبخَّرت كل تلك الادعاءات والافتراءات التي روَّج لها الحاقدون ضدنا، بما فيها قانون (جاستا) سيئ الذكر.
وعندما أطلت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة برأسها، وانخفضت أسعار النفط من (150) دولاراً للبرميل إلى (40) دولاراً، معيدة إلى الأذهان شبح أزمة عام 2008 م الاقتصادية الخانقة، وصفَّق الشَّامتون المتربصون المثبطون طرباً لما قد يصيبنا من سوء بسبب اعتماد اقتصادنا على النفط، فاجأهم الأمير محمد بن سلمان بـ (رؤية السعودية 2030) وخطة (التَّحول الوطني 2020)؛ اللتين لم تركزا على تنويع مصادر دخلنا فحسب، بل شملتا كثيراً من أوجه الإصلاح في معظم مظاهر حياتنا. وتجاوزت أهدافهما حدود بلادنا لتدعم الاقتصاد العالمي. فكبت غيظهم، ورَدَّ حقدهم الدفين وشماتتهم اللاذعة في نحورهم. بل أكثر من ذلك: عزَّز الثقة في اقتصادنا، مثلما هي راسخة في سياستنا وأمننا ومصداقيتنا وصدقنا وكل شؤون حياتنا، لدرجة جعلت العشرين الكبار يوافقون على استضافة عاصمة عبد العزيز لقمتهم القادمة (2020)، في التاريخ نفسه الذي نتطلع فيه لإعلان نجاح خطتنا للتحول الوطني، بل قل يتحرقون شوقاً لليوم الذي يتنسمون فيه صبا نجد وعبق الأرض الطيبة الطاهرة هنا. وبالمناسبة، فنحن الدولة العربية الوحيدة التي تتمتع بعضوية العشرين الكبار، وثالث دولة إسلامية بعد اندونيسيا وتركيا.
وعندما تبجَّح الصَّفويون بسيطرتهم على أربعة عواصم عربية، يوم دنَّست أقدامهم اليمن (السعيد) عن طريق عملائهم الحوثيين والمخلوع صالح، الذي أنعته دائماً بـ (غير الصالح)، وإلا لما عضَّ اليد التي امتدت له، وتآمر مع الصَّفويين حتى على بيت الله؛ أقول عندما حدث ذلك، وأعلن قائدنا (عاصفة حزمنا)، انبرى لقيادتها ابنه الجسور الشجاع النجيب اللبيب محمد، فدكَّ حصونهم وفرق جمعهم وشتت شملهم. ومثلما نجحت بلادنا في تكوين تحالف عربي بسرعة البرق، ساهم وزير دفاعنا، حارس عريننا، ولي عهدنا اليوم، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، بدور فاعل في تشكيل تحالف عسكري إسلامي ضم أكثر من أربعين دولة؛ لمحاربة التطرف والإرهاب، فأذهل العالم بقدرات الدول الإسلامية والعربية، إن هي اجتمعت على كلمة سواء.
والحقيقة، يصعب كثيراً على الإنسان أن يُجْمِل محاسن ولي عهدنا الأمين أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود وإنجازاته وأمنياته لنا ولبلادنا في عجالة سريعة كهذه؛ ولهذا لا أريد أن أسهب كثيراً في الحديث عن شخصية سموه الكريم القيادية، التي عهدها الجميع بهذا القدر من الذكاء الفطري الحاد والمعرفة الدقيقة الشاملة والنفس المترعة بالثقة بالله، ثم قدرات هذا الشعب السعودي النبيل الوفي الأصيل، على تحقيق المستحيل وإصرار سموه على النجاح مهما كان الثمن، ولسان حاله ينشد باعتزاز مع أبو فراس الحمداني:
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن خطب الحسناء لم يُغْلِهَا المهر
أقول: لا أريد الإسهاب في الحديث عن شخصية ولي عهدنا القوي بالله الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي أصبح اليوم معروفاً على مستوى العالم بكياسته ولباقته وأدبه الجَّم ووضوح رؤيته وصدقه وشفافيته وانحيازه التام للشرائح الضعيفة في المجتمع من ذوي الدخل المحدود والأيتام والأرامل وذوي الحاجات الخاصة، وحسن أدائه في كل ما يضطلع به من واجب وطني وديني عظيم.
وعليه،أختم هنا بملاحظتين مهمتين تمثلان علامتين فارقتين في تقديري؛ وردتا في حديثه الشيق الماتع الشامل في برنامج (الثامنة) مع الأخ داود الشريان، على القناة السعودية الأولى، مساء الثلاثاء، 6-8-1438هـ، الموافق 2-5-2017م؛ الذي كتب عنه كثيرون في الصحف مشكورين، إلا أنهم أعادوا إنتاجه بعباراتهم الخاصة، دون وقوف عند ذينك الملاحظتين المهمتين.
العلامة الفارقة الأولى: إصرار الأمير محمد، بل اشتراطه الحازم الحاسم على الأخ داود الشريان بثَّ اللقاء عبر القناة السعودية الأولى. وصحيح، قد يبدو هذا للوهلة الأولى أمراً عادياً، لا يلفت انتباه كثيرين، غير أنني أجده في الحقيقة موقفاً ذكياً استثنائياً عظيماً، سعودياً بامتياز منقطع النظير؛ تأكيداً على انتماءٍ مطلق لهذا الوطن العزيز الغالي، الذي ليس في الدنيا مثله وطن، والاعتزاز به والاهتمام بكل ما من شأنه خدمته. كما أجده من ناحية أخرى فهماً عميقاً لرسالة الإعلام، تقديراً لدوره في تمليك أكبر قطاع ممكن من الرأي العام المعلومة الصحيحة من مصادرها المسؤولة الموثوقة. فوسائل الإعلام كما يدرك كل مهتم، هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، إذ لديها قدرة فائقة على جعل المذنب بريئاً، وجعل البريء مذنباً.. وتلك هي السلطة، لأنها تتحكم في عقول الجماهير. سجَّل ولي عهدنا الأمين هذا الموقف الوطني الشجاع في الانحياز للوطن، في الوقت الذي يسيل فيه لعاب كثير من الأسماء اللامعة للظهور عبر شاشة هذه القناة أو تلك، حتى إن اضطره لدفع الثَّمن!
أما العلامة الفارقة الثانية: يعد ولي عهدنا الأمين الأمير محمد بن سلمان أول زعيم عربي يعلق الجرس في رقبة إيران، مؤكداً لها أن هذا الشر القبيح الذي تتأبطه ليل نهار لخراب المنطقة ودمارها، سيرتد إلى نحرها لا محالة، وينتقل إلى أرضها. محرِّضاً الجميع على عدم الخنوع لسياسة (دس الرأس في الرمال) التي لا تجدي نفعاً مع سلطة متسلطة يرتكز فكرها على مبدأ الإقصاء. فطالما حاولت الدول العربية، خاصة دول الخليج، المحافظة على شعرة معاوية مع إيران بحكم الجيرة، لكنها للأسف الشديد، فهمت الأمر ضعفاً واستكانة لسياسة الأمر الواقع التي اجتهدت كثيراً في ترسيخها في عقول شعوب المنطقة، بل وجدت من يزمر لها مقابل ما تدسه في جيبه من دولارات.
أما اليوم، فعلى إيران أن تختار بين الاستمرار في تصدير ثورتها المزعومة وزعزعة استقرار المنطقة وإفقار شعبها، وبين الحياة في وئام وحسن جوار واحترام متبادل للآخرين والتعاون مع الجميع يداً واحدة من أجل استقرار المنطقة وخير البشرية. فكان حديثه نقلة نوعية مهمة في الخطاب العربي - السعودي، على الأقل، تجاه إيران، فهو أول مسؤول عربي يتحدث عن النظام الإيراني بهذه الصراحة والوضوح والمعرفة الدقيقة لهدف إيران.. ذلك الجار المشاغب. الذي تتركز سلطته الفعلية في يد (المرشد)، في حين نجد أن رئيس الجمهورية مجرد موظف عند المرشد الأعلى لـ (الثورة الإيرانية). ويؤكد هذا ما حدث لأحمدي نجاد من إبعاد مفاجئ، لأنه طالب بتخويل رئيس الجمهورية في (158) مادة في الدستور، بدلاً من الولي (غير الفقيه).
يبذل ولي عهدنا الأمين نائب رئيس مجلس الوزراء، حارس عريننا الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز هذا كله، لأنه رجل مؤهل للاضطلاع بما ائتمنه عليه قائدنا سلمان، أعرف الناس به، إضافة لسجل حافل من شهادة القادة والزعماء والمسؤولين الذين عملوا معه وعرفوه عن قرب. ولأن المجال لا يسع، أكتفي هنا بشهادة جيمس سميث، السفير الأمريكي السابق لدينا، إذ يقول: الأمير محمد بن سلمان رجل طموح، ولديه شغف بمستقبل السعودية وإصلاح الاقتصاد وتعزيزه.
وختاماً، كأني بـ (أبو سلمان) غارقاً بين الملفات يعمل بجدٍ وكدٍ يومياً حتى أثناء العطلات إلى ساعات الفجر الأولى، مردِّداً مع المؤسس ذينك البيتين الشهيرين اللذين كانا مكتوبين فوق باب المؤسس، لشاعر قبيلة كنانة، المتوكل بن عبد الله الكناني:
لسنا وإن كَرُمَت أوائلنا
يوماً على الأنساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا تبني
ونفعل (فوق) ما فعلوا
كما قال المؤسس الملك عبد العزيز، وليس (مثلما) فعلوا، كما كان في أصل البيت، إذ استبدل المؤسس لفظة (مثلما) في عجز البيت الأخير بلفظة (فوق)، بشهادة أمين الريحاني.