ياسر صالح البهيجان
في ظل منجزات العصر الرقمي وشبكات التواصل الرادمة لهوّة البعدين المكاني والزماني أخذ كل شيء يتعولم. وليس ثمة شيء بعيد عن المتناول أو صعب المنال. حتى الأفكار التحريضية والداعية للعنف أصبحت تبعد عن الإنسان بُعد زر لوحة المفاتيح عنه.
حماية المجتمع من التعرض لتلك الأفكار المتطرفة يفرض على الجهات الأمنية ووزارة الثقافة والإعلام، مراقبة أكثر دقّة، وتحديدًا محتويات الفيديو التي أثبتت دراسات متعددة أنها الأكثر قدرة على إحداث تأثير جوهري في ذهنية المتلقي تفوق أثر محتوى الكتب أو المحتويات القائمة على النصوص فقط. وازداد الخطر أكثر مع تفاقم أعداد منصات عرض الفيديوهات بمختلف أنواعها دون إخضاعها لرقابة من قبل منشئي تلك المنصات. نحن إزاء فوضى في المحتوى الرقمي ما يؤكد حاجتنا الماسة لوضع تدابير رقابية جديدة، وإنشاء فرق متخصصة تراقب عن كثب ما يُطرح في شبكات كبرى كيوتيوب وسناب شات وانستغرام وتويتر وغيرها، مع تخصيص حسابات إلكترونية لتلقي شكاوى المجتمع وتحفيزهم على المشاركة في مواجهة المحتويات التحريضية، والعمل على تأسيس وعي مجتمعي يساعد الأسر على ضبط نشاط أبنائهم عند تجولهم في أرجاء الشبكة العنكبوتية.
والحقيقة أن مخاطر وسائل الإعلام التقليدية ومنها التلفاز والإذاعة تقلصت ولم يعد لها تأثير يذكر على أمن المجتمع منذ أن تحولت الشبكة الإلكترونية إلى فضاء مفتوح غير خاضع للرقابة الكافية. وحاليًا تنصب الدراسات المتخصصة في حفظ الأمن المجتمعي على طبيعة شبكات الاتصال الحديثة، وتؤكد أنها التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات في القرن الحادي والعشرين، ولم يعد ممكنًا تحقيق الأمن الفكري والسلوكي لأفراد المجتمع ما لم يكن ثمة تحركات جادة للتصدي للمحتويات الرقمية العبثية.
الجهات المسؤولة لن تجد الطريق معبدًا في هذا الاتجاه ما لم تجعل من المجتمع شريكًا إستراتيجيًا لها في مساعيها. وفي هذه المرحلة تحديدًا ومع تزايد الأخطار المحيطة والأفكار الضالة عن الحق فإننا مطالبون بمسابقة الزمن، وتنفيذ مبادرات مجتمعية تدعو لمساهمة الجميع في إيجاد بيئة إلكترونية صحيّة، تكفل تعزيز أمننا الوطني، وتقطع دابر الأيديولوجيات المتطرفة، وتضمن نشأة جيل جديد متغذٍ على التسامح والتآخي، وسليم من أي معتقدات هدَّامة.