د. عبدالحق عزوزي
ألقى العاهل المغربي الملك محمد السادس، يوم السبت الماضي خطاباً بمناسبة الذكرى الـ18 لعيد العرش، واعتبر كل المراقبين أن الخطاب قد حوى درر المعاني ورسائل عديدة إلى النخبة السياسية المغربية وإلى الإدارة العمومية وإلى العقليات التي يجب أن تتغير وأكد الخطاب على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة.
الخطاب يأتي في ظرفية وطنية وإقليمية خاصة، خاصة أن البلد قد قطع أشواطاً كبيرة في مجالات اقتصادية وتنموية لا تحدث إلا في الدول الصناعية الكبرى والدول المستقرة، ولكن بقدر ما يحظى به المغرب من مصداقية، قارياً ودولياً، ومن تقدير شركاء المغرب العالميين، وثقة كبار المستثمرين، كشركات «بوينغ» و»رونو» و»بوجو»، بقدر ما تصدمنا الحصيلة والواقع، بتواضع الإنجازات في بعض المجالات الاجتماعية، حتى أصبح من المخجل أن يقال إنها تقع في مغرب اليوم. وذلك راجع بالأساس، في الكثير من الميادين، إلى ضعف العمل المشترك، وغياب البعد الوطني والإستراتيجي، والتنافر بدل التناسق والالتقائية، والتبخيس والتماطل، بدل المبادرة والعمل الملموس. وتزداد هذه المفارقات حدة، بين القطاع الخاص، الذي يتميز بالنجاعة والتنافسية، بفضل نموذج التسيير، القائم على آليات المتابعة والمراقبة والتحفيز، وبين القطاع العام، وخصوصاً الإدارة العمومية، التي تعاني من ضعف الحكامة، ومن قلة المردودية. ويقول جلالته في هذا الصدد: «وتزداد هذه المفارقات حدة، بين القطاع الخاص، الذي يتميز بالنجاعة والتنافسية، بفضل نموذج التسيير، القائم على آليات المتابعة والمراقبة والتحفيز، وبين القطاع العام، وخصوصاً الإدارة العمومية، التي تعاني من ضعف الحكامة، ومن قلة المردودية. فالقطاع الخاص يجلب أفضل الأطر المكونة في بلادنا التي تسهم اليوم في تسيير أكبر الشركات الدولية بالمغرب، والمقاولات الصغرى والمتوسطة الوطنية. أما الموظفون العموميون، فالعديد منهم لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم، ولا تحركهم دائما روح المسؤولية. بل إن منهم من يقضون سوى أوقات معدودة، داخل مقر العمل، ويفضلون الاكتفاء براتب شهري مضمون، على قلته، بدل الجد والاجتهاد والارتقاء الاجتماعي». وهذا كلام يحتاج إلى نقد للذات من كل العاملين في الإدراة العمومية ومن كل المسؤولين وخصوصًا السياسيين منهم، لأن الإدارة هي محرك عجلة التمنية وهي التي يقاس عليها مدى تحقيق الدولة لرغبات وحقوق المواطنين في جميع النواحي، وبفشلها كبر أربعًا على وفاة مصالح الخاص والعام...
كما أن الأحزاب السياسية في مجتمعات مثل المغرب هي التي تجسد المطالب المجتمعية في مطالب سياسية وتبحث لها عن مخرجات وسياسات عمومية عندما تصل إلى سدة الحكم... الأحزاب السياسية المغربية مقارنة مع مثيلاتها المغاربية هي جد جد متقدمة وطبيعة المجال السياسي العام هي التي مكنت منذ ثلاثة عقود الفاعلين السياسيين والمجتمعيين داخل المجال السياسي العام، من إنجاح الميثاق السياسي والتعاقدي خلافاً لكل دول المنطقة، انطلاقاً من مبادئ التنازل والتوافق والثقة التي عليها نجاح الميثاق السياسي بين النخبة السياسية في الحكم والنخبة السياسية في المعارضة. وقاعدة التنازلات المتبادلة يجب أن تكون مقرونة بجهد فكري وميداني بل ورياضي يجعل كل الأطراف تعي حدود التنازلات وحساسية المجال التفاوضي السياسي.. ولكن للأسف هاته الأحزاب اليوم تحتاج إلى تغيير جذري في نخبها وفي طريقة عملها خاصة مع المواطنين، وهذا كنه نجاحها في دول مثل بريطانيا وبلجيكا...
ومع هذا الوضع تساءل الخطاب الملكي: «فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسياً وإعلامياً، من المكاسب المحققة. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه». وأمام هذا الوضع حق لكل واحد أن يتساءل كما جاء في خطاب العرش: «ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانوا هم في وادٍ، والشعب وهمومه في وادٍ آخر؟. فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي».
كل ما جاء في هذا الخطاب هو خريطة طريق للعمل السياسي والإداري والحزبي الجاد لتحقيق التنمية والرخاء، وكل الظروف والموارد البشرية والمؤسساتية موجودة، ولكنها تحتاج إلى مزيد من الإرادة الجادة وفي كثير من أمورها إلى تغيير عقلياتها التي لم تعد صالحة في مغرب اليوم.