سمر المقرن
بعث لي الإعلامي الزميل محمد بن طرجم، خبراً مؤسفاً عن هدم وإزالة فندق اليمامة الذي يتربع على عرش حضارة وتاريخ حي الملز. أصابني هذا الخبر بالدوار لأن هذا الفندق يحمل تاريخاً عظيماً لمدينتي، وعلى المستوى الشخصي يملأ ذاكرتي بأيام الطفولة حيث ولدت بمنزل لا يبعد عن ذلك الفندق أكثر من مئتي متر، وكان لخطواتي أثر كثير في ذلك المكان، الشريط يدور في ذهني وكأنه حدث ليلة البارحة عندما كنت أقفز مع أطفال الجيران فوق سور الفندق لنلعب بالمراجيح لأن أمن الفندق كان يمنعنا من الدخول عبر البوابة. من حين لآخر لا بد أن أزور حي الملز الذي لم يعد فيه من ملامح أيام الطفولة سوى فندق اليمامة، وها هو اليوم يذهب دون أي احترام أو تقدير لتاريخه ومكانته، ودون أدنى شعور بأنه إرث حضاري، افتتحه الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- وسكن فيه كثير من الوفود السياسية والدبلوماسية هذا عدا المشاهير مثل: (هنري كسنجر) وكان بهو فندق اليمامة مشهور بجلسات الشعراء والأدباء والمثقفين، ومن أبرزهم الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- كما قال فيه الشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع قصيدة بعنوان: (فندق اليمامة).
عندما نسافر للدول الأوروبية نجد أن الفنادق القديمة والتي تحمل تاريخاً مهماً هي الأغلى في الأسعار، لأنه لا يسكنها سوى أشخاص يستشعرون قيمة ذلك التاريخ، لذا نجد تلك الدول تحافظ عليها، ومنها من أصبح مزاراً ومتحفاً للسواح، فمكانة هذه الفنادق تأتي من القيمة الثقافية والتاريخية لهذه المباني، والحرص على إبقاء هذه الأيقونات التاريخية كرموز للمدينة وطرازها المعماري والحضاري هذا من الخارج، أما من داخل المبنى فهو تاريخ طويل وممتد، يمنح هذه المدن هوية حقيقية، لأن الإنسان بلا تاريخ لن يكون له حاضر، إنما مجرّد إنسان ومدينة بلا هوية!
إن إزالة فندق اليمامة هو جريمة تاريخية وحضارية بحق مدينة الرياض، فهو أيقونة ورمز كان لا بد من المحافظة عليه، وهذه مسؤولية أمانة الرياض التي وافقت على إزالة المبنى هكذا بجرّة قلم وبكل سهولة يُطمس تاريخ مهم في حياة الرياض، إن هذه المباني والمحافظة عليها هي مسؤولية جسيمة لا ينبغي أن تُفرّط بها أمانات المدن وهي المسؤولة عن حمايتها، وكذلك الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لا تُعفى من المسؤولية، فمن أبرز مهامها الحفاظ على التراث الوطني، كيف يكون الحفاظ على هذا التراث وهو يُزال في ليلة ظلماء دون تقدير لقيمة هذه المباني؟!
إن ما يحدث هو تفريط في تاريخنا وحضارتنا، ثم نعود ونصنع مناطق تاريخية وبطراز معماري قديم وهي حديثة، ندخلها ولا نشعر بها لأنه تاريخ مصطنع بلا رائحة، في الوقت ذاته لدينا تاريخ وإرث حقيقي لا يحتاج إلى بناء بل إلى اهتمام ومع ذلك يذهب إلى الركام!