اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والتجني على المملكة واتهامها بما ليس فيها يمثل سياسة قطرية خلف الستار وغير معلنة قبل الأزمة، في حين تأكد المخبور وانكشف المستور بعد هذه الأزمة حيث أصبح الاتهام مقترنا بمصطلحات دأبت على ترديدها، فتارة تتهم المملكة بأنها تريد مصادرة سيادتها، وتارة ثانية تتهمها بمحاولة فرض الوصاية عليها، وتارة ثالثة تتهمها بالرغبة في تغيير نظامها، وتارة رابعة يكون الاتهام من خلال تسمية الأشياء بغير مسمياتها.
وإذا كانت معصية الكفر ما بعدها معصية، فالذي تلبَّس بالإرهاب وتحالف مع أعداء أمته ودينه من السهل عليه التجني والافتراء وقلب الحقائق للتغطية على معالم جريمته وتبرير مؤامرته، والنظام القطري ذهب بعيداً في هذا الاتجاه، حيث جعل من نفسه أداة لتنفيذ المشروع التدميري الذي أراد أصحابه تدمير المنطقة العربية وإعادة رسم خرائطها، وها هي الأزمة القائمة مع قطر تضع منطقة الخليج على حافة الهاوية التي يراد من خلالها هدم وتدمير البيت الخليجي، والزجّ بدوله في دوامة الفوضى المدمرة التي حلت بالمنطقة العربية.
وشتان بين ما تريده المملكة وسياستها تجاه الأمن الخليجي والأمن القومي العربي وبين ما يريده حكام قطر الذين تخندقوا في الخندق الإيراني، ومدوا يداً إلى الأتراك، كشفت عن نوايا مبيتة فضحها الطرف التركي بتفعيل قاعدته ونشر قوته، كما استنجدوا بأمريكا ودول أوروبا الغربية وروسيا، لعلهم يجدون في مواقف أولئك القوم ما يوفر لهم مخرجاً وخياراً، ويدين المقاطعة ويجعل منها حصاراً، اعتقاداً منهم بأن المكابرة والإصرار على الأمر المعيب، والارتماء في أحضان الأجنبي والاستقواء بالغريب يمكن أن يكون في ذلك ما ينقذهم من الموقف الذي وضعوا أنفسهم فيه.
والإصرار القطري على أن يأتي حل الأزمة من الخارج مع تجاهل أصحاب الشأن أمر يثير الاستغراب، ويدعوا إلى الارتياب، لما ينم عنه سلوك النظام الحاكم في قطر من خبث في التفكير والمراهنة على عمالته للغير، كما يدل هذا السلوك أيضا على استمرار المؤامرة والإمعان في المكابرة والمغامرة، ومرد ذلك يعود إلى أسباب كثيرة، تتمحور حول مدى الانغماس في مستنقع الإرهاب بما في ذلك إيواء الإرهابيين وتمويلهم بهدف استغلالهم لتنفيذ مخططات وأجندة قوى إقليمية ودولية، تتخذ من مكافحة الإرهاب ذريعة لتحقيق أهدافها، مستخدمة بعض النظم والتنظيمات في المنطقة أدوات لبلوغ هذه الغاية.
والمشكلة المستعصية على الحل التي يعاني منها النظام القطري هي أنه لا يعرف نفسه، والذي لا يعرف نفسه يصعب عليه أن يسوسها، حيث يفتقر إلى مقومات القوة التي ينشدها باستثناء المقوم المالي الذي زيَّن له أن إنفاق المال بطرق غير مشروعة، يمكن أن يحقق له طموحات لا تتوفر لديه المقومات الأخرى لتحقيقها، دون أن يأخذ في حسبانه أن عقدة البحث عن المفقود مع ضآلة الموجود، تفضي بصاحبها إلى طريق مسدود.
وهروب حكام قطر إلى الأمام وتجاهل أسباب الأزمة مع الدوران حولها وتسطيحها والتعامل مع هوامشها بدلاً من التعامل مع جوهرها، والبحث عن إيجاد الحلول لها، كل هذه العوامل أخّرت حلها ولم تخرجها من مربعها الأول وإنما أوجدت قاباً واسعاً من الخلافات السياسة والمماحكات الإعلامية نتيجة لممارسات النظام القطري الذي لم يترك وسيلة إلا استخدمها لإخراج الأمور عن سياقها الصحيح، حتى بلغت به الوقاحة إلى الدعوة إلى مبادئ وقيم هو أبعد ما يكون عنها، بالإضافة إلى ركوب موجة الدعوة إلى مكافحة الإرهاب، وهو الذي يموله ويرعاه، ممعناً في خداع نفسه، باحثاً عن الحل في غير مكانه إلى الحد الذي جعله يتعامل مع أطراف الأزمة بسلبية، تكشف عن مركبات النقص المزمنة وحالة المرض الراهنة.
ومما يؤسف له أن الأزمة الخليجية مضى عليها فترة زمنية ليست بالقصيرة، والنظام الحاكم في قطر لا يزال يتنصل عن مسؤولية ويصر على مكابرته رغم الجهود المحلية والإقليمية والدولية التي يحاول أصحابها تقريب وجهات النظر لحل الأزمة دون أن يكون لهذه الجهود صدى أو تجد لها استجابة من قبل الطرف القطري الذي ينتظر الحل ينزل عليه من السماء عن طريق قوة خارجية تُحاوره وتوقع معه اتفاقاً نيابة عن دول المقاطعة.
وفي هذا الوقت الذي يتطلع فيه البيت الخليجي إلى مواصلة البناء والتعمير، والتحول من الصيغة التعاونية إلى صيغة اتحادية وضعه النظام القطري قاب قوسين أو أدنى من الهدم والتدمير، كاشفاً هذا البيت عن شجونه، ومُتيحاً أحد أعضائه الفرصة للتدخل الخارجي في شؤونه، حيث أخذت المؤامرة تقترب شيئاً فشيئاً، متنقلة عبر دوائرها البعيدة والقريبة حتى وصلت إلى قطر، مكتملاً بذلك عقد المتآمرين بعد أن أصبح وجود القواعد الأجنبية محلاً للتباهي عند السلطة القطرية التي صار الأمن الخليجي والأمن القومي العربي يشكل لها مغرماً والتحالف مع الأجنبي ترى فيه مغنماً.