علي الصراف
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» (البخاري).
وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلا يُؤْذِ جَارَهُ». (متفق عليه).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره». (رواه الترمذي، والدارمي)
وسؤالي لشيوخ قطر: ماذا لو كان جارك هو جارك وأخاك أيضا؟ كم يجوز أن تناكده وتناكفه وتحرض ضده وتستعين بخصمه عليه؟
ـ الخليجيون أسرة عربية واحدة. الكل يُسلّم بذلك. وهم أقرب الأخوة إلى بعضهم البعض. وتقاربهم ليس اجتماعيا فحسب، ولكنهم متقاربون فكريا وسياسيا وثقافيا، كما أنهم متداخلون بدرجة أكبر بعشر مرات من تداخل أيّ مجتمع عربي مع آخر. وهم آخر من بقي لنا كعمود لبيت العروبة والإسلام. وهم جسد واحد. فإذا ما ضاقت الحال بأحدهم، ضاقت على الجميع. أليس كذلك؟ أم أن لدى قطر رأي آخر؟
ـ الأخوّة لا تتطلب أدلة عندما يشعر بعضنا من الأذى حيال ما يفعله أخ آخر. يكفي أنه يقول بذلك لكي يتطلب الأمر احتراما. فما بالك، لو توفرت أدلة؟ بل ما بالك لو توفر إقرار مسبق بالتوقف عن الأذى؟
ـ قد تكون لأي دولة من الدول العربية مصالح مختلفة عن مصالح الأخرى. هذا أمر مفهوم ومبرر ويمكن التعايش معه. ولكن هل يمكن التعايش مع الخراب الذي تقترحه الجماعات المسلحة، وثقافة المليشيات، ونظريات «دولة الفقيه» أو «دولة الخلافة» (الإخوانية والداعشية) وكلها سواء بسواء؟
ـ إذا كان مشروع «الإسلام السياسي» قائم بقضّه وقضيضه، ومهما تعددت تنظيماته، على تكفير الآخر، فهل يوجد في التكفير إسلام سياسي «معتدل»؟ أم أن افتراض «الاعتدال» في تنظيمات الإرهاب والتكفير مجرد ضحك على الذقون؟ وهل يمكن لمَنْ ينظر إلى نفسه على أنه «الممثل الشرعي الوحيد» لشريعة الإسلام، وعلى أنه «المتحدث الرسمي الوحيد» بها، أن يقبل بأي أحد من دون أن يعتبره كافرا، ويحل فيه دمه وماله وعرضه؟
ـ بما أن قطر تجمع في تحالفاتها: إيران وإسرائيل وحزب الله وحماس والحوثي والإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة والحشد الشعبي وداعش، فما رأيها بأن تجمع ممثليهم في قاعة واحدة وتعطي كل واحد منهم مدفعا رشاشا، للتفاوض على وجهة نظر شرعية واحدة؟ السؤال الحقيقي: كم واحد منهم سيبقى حيا؟
ـ هل يمكن لإيران أو تركيا، وهما قوتان إقليميتان لهما ما لهما من دوافع ومصالح وميراث مناقض بطبيعته لمصالح هذه الأمة، أن يكونا عونا حقيقيا لأي أحد؟ وهل قدم التاريخ منهما شيئاً آخر غير الخراب والطغيان والمذلة؟
ـ مشروع الإخوان المسلمين، وفقا لمليون دليل، يشكل نقيضا سياسيا ومنهجيا لكل «دولة وطنية». فإذا كان ذلك كذلك، أفلا يجدر بقطر أن تنظر إلى نفسها، باحترام للعقل ولشعبها بالذات، على أنها دولة وطنية، وأنها (تلقائيا وطبيعيا) على الطرف النقيض؟ أم أن شيوخها يناكفون ويتمردون، كما الصبيان، فحسب؟
ـ ماذا قدم المشروع المليشياوي الذي تدعمه إيران في المنطقة؟ هل ترغب قطر بأن نعدُّ لها لكي تقتنع بأن إيران عدو أكثر شراسة من إسرائيل نفسها؟ هل نعد الجثث؟ أم نعد الملايين الذين تهجروا؟ أم نعد الضحايا في أقبية الانتهاكات وأعمال التعذيب؟ أم نعد المليارات التي نهبت؟ أم نعد كلفة الخراب على أجيال المستقبل؟
ـ ألم تلاحظ قطر أنها بدعمها لمشروع الإخوان لم تقدم لأحد، ولا لنفسها، إلا الضرر؟ ومن تونس إلى ليبيا إلى مصر والى سوريا، ما هو الحصاد فعلا؟
ـ مشروع الإخوان، مَنْ يُحارب، غير أهل الدار؟ فعندما تكون قواعده الفكرية تجرم الآخر، وتكفره، وتنبذه، وتنفي حقه في وطنه، بل تنفي الوطنية نفسها، وتستنكر المبدأ من الأساس، أفلا يبدو هذا كله مشروعا لتفجير قنبلة نووية داخل المجتمع، تمزق بين الأخ والأخ، وبين الجار والجار؟ ثم، لمصلحة مَنْ، ومن أجل ماذا؟ وبأي تكلفة؟
ـ هل يمكن لقطر أن تجني مصلحة من تفجير مجتمع بحجم المجتمع المصري مثلا؟ وكم دولة بحجم قطر سوف نحتاج لإيواء اللاجئين الذين قد يفرون من خرابه وتمزيقه؟
ـ بعد كل هذا، فإذا شكا جارك، وهو أخوك، من أذاك، وتوجس من خططك الخبيثة ريبة، فماذا يتعين أن تفعل؟ هل تتغطى بذرائع واهية لتواصل؟ هل تتكابر؟ هل تأخذك العزة بالإثم؟ أم تأتي، بصدق الأخوة وعطفها، لتقبّل الجباه والأكتاف والرؤوس، وسائلا المغفرة من باريك العزيز؟