رقية سليمان الهويريني
يجيد بعض البشر ممارسة النكد والبحث عن الأمور الجالبة له، وهو يستمرئه ويكون مرتاحاً حين يشعر به ويشيعه فيمن حوله أو يوجع به غيره!
وتتعدد أساليب النكد، وقد يستنبطه أحدنا من قول شخص أو فعله! وللنكد في الذهن معنى لا يغيب وصورة لا تبرح، وإيحاء لا ينكر، ووقع لا يُجهل! وفيما يعتقد بعض الناس أن النكد صناعة نسائية بجدارة إلا أنه لا خصوصية بين أنثى وذكر ولا يقتصر على الكبير دون الصغير، بل إن بعض النفوس جُبلت عليه وصار جزءاً من تكوينها الشخصي! ويظهر النكد عادة في شكل الوجه وقسماته وملامحه، فيبدو عبوساً مكشراً متجهِّماً، وتتراءى لك العضلات مشدودة والعيون حيرى، والتنفس مختنقاً والجسد يتخذ شكلاً للدفاع أو العدوان! وغالب ذوي النكد ساخرون مستهزئون بمن حولهم، تراهم مشككين في القدرات، مرتابين في القرارات!
ويتصف أصحاب النكد في مجالسهم بإيراد القصص المريرة وإكثار الشكوى والإفراط بالتذمر والإسراف بالتخويف من المستقبل، وأن ما يحصل من حوادث لا تعدو عن مؤامرة أو مكيدة أو دسيسة!
ولا يكاد ينجو من النكد حتى المثقفين والمفكرين وكثير من المتأملين ممن لديهم رغبة في تكبير الصغائر وتضخيم التوافه، وتفسير الأمور على السوء! بل إن بعض أئمة المساجد وخطباء الجمعة يمارسون النكد بطريقة شرعية عندما يصرون على ترديد آيات العذاب أو الغضب أو التهديد في ذات اللحظة مثل إعادة آية {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} والآية الكريمة {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} وهم بزعمهم يخوفون الناس لكي يقلعوا عن الذنوب، لكنهم عند قراءة الآيات التي تحمل الترغيب وتدعو للتفاؤل مثل آية {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} قد يمرون عليها بعجلة ودون تدبر!
وأطرف النكديين هم أولئك الذين يمارسون النكد ويكرهون ممارسته عليهم وكأنه احتكار لهم! وأما أبشع النكديين فهم أولئك الذين تقابلهم صباحاً وكأنهم خرجوا للتو من خوض حرب خاسرة، وعندئذ إياك أن تطلب منهم الابتسامة أو التفاؤل!