د. محمد بن إبراهيم الملحم
نتائج الاختبارات الدولية كان لها أثرها التصحيحي أو التطويري لدى كثير من الدول، فعلى سبيل المثال أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية برنامج المعايير الوطنية الأساسية المشتركة كرد فعل لانخفاض نتائجها وكذلك ظهر في ألمانيا ما سُمي صعقة بيزا PISA Shock وذلك إثر انخفاض نتائجها عام 2001 عن المستوى المتوقّع ولذلك تمت عدة إجراءات أبرزها إقرار مقترح الاختبارات المركزية المعيارية والذي كان محل نقاش طويل قبل تلك النتائج، وإقرار مقترح اليوم الكامل، وإدراج مرحلة بينية ضمن مراحل التعليم، ولو أخذنا ألمانيا كمثال على الاستفادة من هذه الاختبارات فلقد جاءت نتائج مثل هذه الإصلاحات مثمرة بشكل أساسي في جانب القراءة، حيث تحسنت من 484 نقطة (وهي تحت المتوسط الأوروبي) آنذاك إلى 497 نقطة عام 2009 (وهي في حدود المتوسط) ثم إلى 509 نقطة عام 2015 (وهي فوق المتوسط) مع محافظة ألمانيا على مستواها في الرياضيات والعلوم دون أن يتعرض للنزول وهو أمر يمكن اعتباره نجاحاً عندما نعلم أن نظام المراحل الدراسية هناك فريد من نوعه على مستوى العالم، حيث يتخصص الطالب منذ الصف الرابع الابتدائي وهو أمر تأثيره في غير صالح نتائج اختبار دولي مقارن خاصة إذا علمنا أن مستوى ألمانيا في هاتين المادتين كان فوق المتوسط منذ الأساس. ولا تكفي هذه المقالة ولا السلسلة لاستعراض مزيد أمثلة لجوانب استثمار الدول لنتائج هذه الدراسات الدولية لكنه توجه دولي وله حسناته.
لاحظت أن وزارة التعليم لم تنشر دراسة تحليلية نوعية عن نتائج الاختبارات الدولية باستثناء دراسة وصفية أعدها فريق من أربعة عشر عضواً من الوزارة من إدارات متنوّعة قام بتقديم دراسة وصفية لنتائج اختبار 2007 لم تتضمن أي ملخصات واقتصرت توصياتها على عموميات تطالب بإجراء مزيد من الدراسات وتركت دلالات ما استعرضته من نتائج متوسطات المناطق الكثيرة جداً دون تعليق نوعي فكري! كما يوجد تقرير نشره مركز التميز البحثي في تطوير تعليم العلوم والرياضيات والتابع لجامعة الملك سعود من إعداد الدكتور صالح الشمراني مشكوراً وذلك لمشاركة عام 2007 أيضاً، وهو تقرير جيد يستفيد منه القارئ بينما لا يمكنك العثور على أي تقرير أو دراسة لمشاركات المملكة التالية سواء عام 2011 أو عام 2015 ! ولا يقتصر ذلك على وزارة التعليم المتخمة بالأعمال اللوجستية والمهام العسيرة ومتعددة الوظائف، بل إن الجهة المختصة والأكثر تفرغاً لهذه المهام وهي هيئة تقويم التعليم العام لم تنشر أية دراسات! فهل يعكس هذا الأمر أن المشاركة تمت بمنطق إن حققنا نتائج عالية احتفلنا بها وإن لم يكن سكتنا وأغفلنا الموضوع؟ أعتقد أن من حق الطلاب الذين شاركوا والمواطنين الذين يترقبون مثل هذه المشاركات أن يتعرّفوا على دلالات هذا الانخفاض من وجهة نظر علمية أو على الأقل أن تلخص لهم النتائج باللغة العربية كما فعلت جامعة الملك سعود في تقريرها 2007 مشكورة (ولا أعلم لماذا توقفت أيضاً!) وهو أقل ما يمكن عمله، وهو أيضاً أقل مؤشر يفيدنا أن هذه الجهات تحمل أهم مؤشرات الجودة النوعية للتعليم كمكون اقتصادي لمستقبل الوطن، بل ينبغي أن تقدم رؤية واضحة المعالم نحو ما ستفعله للتحسن والارتقاء بالمستوى سواء في صورة تقرير إعلامي أو دراسة منشورة أو برنامج متكامل يتم إعلانه بأهداف ومحددات ذات معالم قابلة للقياس.
في الخامس من ديسمبر لهذا العام 2017 يتوقّع إصدار نتائج دراسة بيرلز 2016 وهي أول مشاركة للمملكة في هذه الدراسة لتقييم تمكن طلابها من القراءة ونحن في ترقب لهذه النتائج لأن نتائجها أهم من نتائج تيمز، فالقراءة لها بعد أعمق في الدور الحضاري والوطني للتعليم، وسوف نتحدث بإسهاب حينها عن هذه النقطة، خاصة إذا علمنا مثلاً أن أحد أسباب تفوق فنلندا تعليمياً هو أن إتقان الأطفال للقراءة يبدأ منذ وقت مبكر وقبل مرحلة المدرسة؛ لأن هذه ثقافة أسرية منتشرة هناك.