د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** بين الإذاعيتين المعتزلتين (باربرا والترز) الأميركية و (ليلى رستم) المصرية وشائج تشابهٍ ما الظن أنها تخفى على من تابع أداءَهما خلال فترة توهجهما أو عبر استدعاء حواراتهما الساخنة من وسائط الإعلام الرقمي من حيث حضورُهما الذهني وسرعة بديهتيهما واعتمادُهما على المفاجأة في أسئلتهما المفتوحة النائية عن علامات الاستفهام التقليدية كما اتكائهما على المعلومة والمقارنة والاستدراج والندية والربط المنطقي بين أجزاء الحوار مع الجرأة والثقة، وكلها سماتٌ جعلت من يلتقي بهما (وليس: « تلتقيان به « ) ذا حظوةٍ إذ اختارتاه ومتوفزًا حين استجوبتاه.
** اختلفت اللغة اليوم، ولم يعد الإعلام في انتظار نجوم ذوي تأهيلٍ وتميز؛ فالأهم ملءُ الفراغ بما تيسر من مرسَل القول وسريع الإعداد وعاديِّ التأثير، وليس السبب قلة الكفاءات بل طبيعة المتغيرات التي جعلت الميزان مائلا والأحكام غير عادلة، ومضى زمن «ليلى وباربرا» كما مضى زمن «والتر كرونكايت ومايك والاس ولاري كنغ و هيو داونس ودان راذر» ومقاربيهم من القامات العربية والغربية التي تحترمُ مقامها ومقالها.
** «لكل زمنٍ رجاله» ونساؤه، وما عمر به أمسُ الإعلامِ التقليدي تخطاه الإعلام الرقمي غيرَ عابئٍ ب»نوح باكٍ ولا ترنم شادي»، والغائبون أو المغيبون في الماضي لا مكان لهم تحت شمس اليوم أو في فيء الغد؛ فما عاد كل شيءٍ كما كان؛ فلا الأب هو الأب ولا المعلم هو المعلم ولا المثقف هو المثقف ولا الإذاعي هو الإذاعي، وليس في الأمر تفاضلٌ أو تفضيل بل حركة دؤوبة لا تعنيها المقارنة ولا المقاربة.
** وفي الضفة المقابلة تبدل السلوك العام تجاه التميز بعدما رجحت الكفة لباقل فوق سحبان، وهو ما يحتاج إلى قراءة موضوعية لا مقالات بكائية؛ فأمام الواقع لا يجدي التنظير ، ومع الوقائع يستحيل التبرير، ولو عاد الرموزُ لما وجدوا من يستوعبهم، وهذا ليس مهمًا ولا سلبيًا بمجمله؛ ففي الإعلام الفردي الرقمي استضاءت كثير من القضايا المفصلية بتفاعلاتٍ لم يكن الإعلام التقليدي قادرًا على استجلابها، وفي محنة الأقصى الأخيرة تمكن «السنابيون» عبر لقطاتهم المتتابعة في «سناب تشات» أن يكُونوا قوة الضغط الأهم في نقل المشهد المعايَن على مدى الدقيقة، وجاءت الصورة الحية المزامنة للحركة والسكون والكر والفر والأمل واليأس راسمةً لحظاتٍ شعورية لم يكن أي وسيطٍ رقمي أو تقليدي قادرًا على بثها، وفي الآتي ما يستعصي على التخيل.
** والمؤدى أن المشاعر»الجافة» لليلى وباربرا صارت تنتقل عبر الفضاء الشبكي بصورة «حميمة» لا يسبقها تقرير ولا يعقبها تحليل ولا تخضع لمزاجٍ أو أدلجةٍ أو تعليمات، وبات كل حدثٍ معروفًا بأمدائه وأصدائه، ولا داعي بعدها للتساؤل عن قيمة الإعلامي أو مهنيته أو تأريخه؛ أكان بمستوى أولئك الكبار أم بتلقائية أحفادهم الصغار، ولم نعد ننتظر نشرة الأخبار أو نتطلع للإخباريين والخبراء.
** الثانيةُ تلد رواية.