د. فوزية البكر
في التقرير المطول عن المرأة السعودية والذي نشرته جريدة لوس أنجلس تايمز الصادرة في كاليفورنيا يوم الاثنين 31 يوليو (يعود تاريخ تأسيس الصحيفة إلى أكثر من 150 سنة (1881) وتعد الرابعة من حيث التوزيع في الولايات المتحدة). في التقرير المذكور ظهرت المرأة السعودية (وتحديداً الشابات ممن تعرض لهن المقال) كضحايا مغلوبات على أمرهن يتم تعذيبهن في كل منزل بسبب العنف المتواصل من قبل أسرهن وبسب القوانين الجائرة المقيدة لحقوقهن الإنسانية وأولها قانون ولاية الرجل على المرأة.
المقال يذكر تحديداً أنه وفي عام 2015 هربت أكثر من 1750 امرأة سعودية، وذكرت الصحيفة أن هذا الرقم هو من إحصاءات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في المملكة. لا شك أن الباحثين من أمثالي سيتوقفون طويلاً عند هذه الإحصائية المفزعة ويغبطون كاتبة المقالة على مصادرها التي لا نستطيع ونحن أهل البلاد الوصول إليها، فالكتاب الإحصائي العام الذي يتضمن كافة إحصاءات الدولة بكل قطاعاتها لم يشمل بعد بنداً للهاربات، كما تتفاوت إحصاءات المؤسسات الحكومية والخاصة وتتنوع تصنيفاتها ومسميات التصنيفات بحيث توقع الباحثين في ارتباك كبير عند إجراء دراساتهم.
يطرح هذا المقال (الذي أصنفه بأنه غير متوازن وغير عادل) معضلة كبيرة علينا مناقشتها أردنا ذلك أم لم نرد وهو: كيف يري الغرب السعودية عموماً وكيف يري المرأة السعودية تحديداً؟
من الواضح أن الغرب يحمل فكرة نمطية محددة عن شرق عنيف محمل باردية البادية القاسية بفعل الطبيعة الصحراوية القاسية التي تسحق الضعفاء ومنهم المرأة. ساهم بالطبع في رسم هذه الصورة التاريخية الكثير من المستشرقين الذين مروا على أرضنا، كما ساهمت السياسات والإعلام التقليدي التي اعتمدت سياسة الإغلاق على نفسها واعتبار الآخر متهماً (الأجنبي ومن يساعد الأجنبي في فهم الحالة السعودية)، فصعبت الفيزا للباحثين والصحافيين وجاء (من نعتبرهم أغراباً من الخارج) بصور قلقة ونفوس أشد قلقاً في محاولة لاكتشاف هذا العالم السحري، لكن راع بعضهم (ممن كان محظوظاً في الحصول على فيزا) التفاوت الهائل بين الصور النمطية التي كانوا يحملونها وبين الواقع على الأرض حيث الحياة الحقيقية لأمة تعمل ليل نهار وبشعب شاب متعلم وببنية تحتية ضخمة وبمجتمع يشق غمار المدنية مصارعاً أردية الحداثة والمدنية مع التقليدية والبداوة التي يعتز بها كإرث كبير.
لا شك أن المملكة العربية السعودية وبفعل ما حباها الله من ثروات طبيعية وسياسات متوازنة قد تمكنت من بناء مدنها ووفرت لمواطنيها الحد الأدنى من الرعاية الصحية والتعليمية المجانية وحققت الكثير على مستوى الحضور العربي والخارجي، لكن ظلت مسألة المرأة أحد تلك المسائل الشائكة التي لم تتعامل معها الدولة بما يتوافق مع متطلبات الجيل الحديث من الشابات ومع توقعات العصر.
الشابة السعودية اليوم متعلمة (97 % من البنات في المملكة يلتحقن بالتعليم الابتدائي و63 % منهن يكملن الثانوية). أعلي نسبة لاستخدام أجهزة الهاتف الخلوي هي بين الشباب والشابات السعوديات وأكثر عدد ساعات يقضيها المواطن السعودي في تصفح توتير أو الفيس بوك وغيرها. العالم أصبح غابة مفتوحة وما عليك إلا أن تقطف ما تريده منه. مقابل ذلك تجد هذه الشابة السعودية المتعلمة نفسها ومنذ أن تعود إلى بلادها بعد البعثة أو بعد التخرج من الجامعة وهي أسيرة المنزل في وقت صعبت فيه الوظائف الحكومية أو الخاصة، لا تستطيع الحركة بفعل منع القيادة، ولا تملك من أمرها شيئاً: فالولي هو من يصدر جوازها والولي هو من يسفرها.. إلخ رغم وضوح الأمر الملكي الصادر في أبريل الماضي 2017 بتسهيل معاملات المرأة دون أذن الولي، إلا أن الوضع القانوني للمرأة السعودية ما زال حرجاً وخاصة في البيئات التقليدية حيث التفاوت الواضح بين توقعات الجيل الجديد وجيل الأهالي مما يولد مشكلات الصراع والإيذاء ولاحقاً الهرب لبعض الحالات الشاذة.
لماذا لم يتمكن الإعلام الغربي من التعرف على كل هذه النماذج المشرفة من العالمات والباحثات والطبيبات والموظفات ورائدات الأعمال والناشطات السعوديات ..إلخ ؟ هل لأنه إعلام متحيز أم لأننا مجتمع مغلق على نفسه لا نسمح للآخر برؤية دواخلنا لذا حين يأتي أحد (أي أحد) من خارج المنزل نستقبله في المجلس وليس في غرفة جلوس العائلة حتى لا يرى الحقيقة كما هي. (لاحظ: نفرش مجالسنا بأغلى قطع الأثاث لأننا نستقبل الضيوف فيها في حين نضع أثاثاً متوسطاً ومريحاً لنا في غرف التلفزيون العائلية)!!!
لن نستطيع تغيير الصور المنطية التي حملها الإعلام الغربي عنا لفترة طويلة بسرعة، لكن إتباع سياسات إعلامية أكثر انفتاحاً ومباشرة وفهم عقلية الصحفي الغربي قد تساعد، لكن ما سيساعد حقاً هو إصلاح البيت الداخلي بإصلاح أوضاع المرأة ومعاملتها قانونياً على قدم وساق مثل الرجل، وهذا أمر حتمي وسيأتي ولكن لماذا التأخر فيه؟
نحن في حرب لا هوادة فيها نسابق الريح للحاق بالأمم المتقدمة عبر الرؤية الذكية التي صنعها ولي عهدنا الشاب محمد بن سلمان، ونحن النساء نقول له: نفهم تماماً أنك تتعامل معنا كمواطنين ولا تفرق بين امرأة ورجل في كل مشاريعك وخططك، لكن نساء هذا البلد يحتجن إلى وقفة حقيقية لإصلاح أوضاعهن القانونية ونظام الأحوال الشخصية وإشراكهن بشكل متساو في مواقع صنع القرار بما لا يترك لكاتب أو متآمر فرصة للنيل من جهود أمة شابة قررت أن تفتح عينيها للنور بعد طول رقاد.