فهد بن جليد
اتفقنا في مقال الأمس على أن تضجُّر الرجال من طول مدة تسوُّق زوجاتهم حالة عامة عند معظم المجتمعات والثقافات. أفضل التجارب العالمية المطبَّقة للتخلص من إزعاج الزوج عند التبضع تمحورت حلولها في وضع مكان ترفيهي خاص له داخل المول؛ يضمن انشغاله أثناء تسوُّق زوجته.
في النسخة السعودية تبدو الأمور أكثر ضبابية للمرأة التي تقف على طرفَي نقيض؛ فهي تريد مرافقة زوجها لها في الغالب، وتخشى عقبات ذلك، وسط غياب مثل هذه الخدمات في المراكز التجارية والمولات السعودية. وبرأيي، إنه استثمار جاذب لو تم تطبيقه كما حدث في بعض الأسواق الألمانية والأسترالية والصينية والعالمية الأخرى، بتوفير أماكن مناسبة وخاصة لانتظار الأزواج المرافقين لزوجاتهم، وتقديم وسائل الراحة والخدمات الإلكترونية لهم؛ للقضاء على بعض المشاكل العائلية التي قد تقع بسبب طول مدة التسوُّق. وإن كنتُ لا أؤيد خطوة بعض المولات بتخصيص أماكن خارجية لتجمع السائقين وتبادلهم أسرار البيوت، وربما التأثير على بعضهم باكتساب تجارب وخبرات غير مناسبة لطبيعة عملهم عند الأُسر الأخرى.
الثقافة السائدة أن السوق للنساء غالبًا؛ لذا هناك ما يشبه (الاتفاق المجتمعي) على ممارسة بعض الأزواج حقهم الطبيعي في الهروب للاستراحات والمقاهي اعتقادًا أن دورهم ينتهي بإيصال زوجاتهم للمول، ومنحهن المصروف اللازم، بينما آخرون يشعرون بمتعة الانتظار في الممرات وعلى كراسي الجلوس كحل أمثل لمراقبة الوضع عن بُعد، بالسير أمام الزوجة تارة، أو خلفها تارة أخرى، والانتظار عند أبواب المحال، وتقليب العيون في القادم والمغادر من البشر؛ وهو ما يتسبب في خناقات من نوع آخر، في حال سلمت المرأة أصلاً من تضجر الزوج وقراره المفاجئ بالخروج من المول؛ لأنه بدأ يشعر بالملل.
بدأنا نفقد تلك الصور والنماذج الرائعة التي تبعث على الأمل في أسواقنا، بمشاركة الزوج في اختيارات زوجته، أو حتى إمساك يدها أثناء السير في جو عائلي، تسوده المحبة والألفة والتراحم، وهو ما يقلل - بالمناسبة - من المصاريف أيضًا كحل اقتصادي يغفله كثيرون؛ لتحل بدلاً من ذلك خلافات عائلية، لم تعد تخفى على زوار المولات، مع جفاء الأزواج واختفائهم من الأسواق.
ما بين الزوج الأناني المهمل غير المبالي الذي يختزل دوره في دفع النقود والهروب دون تحمُّل المسؤولية، وذلك الخجول الذي يعتقد أن مرافقة زوجته داخل السوق تقليل من مكانته؛ لذا يفضل الانتظار في السيارة أو المرافقة عن بُعد، وثالث وجوده مقلق ومزعج؛ فهو متأفف، غاضب وضجر، يريد الخروج مع أولى خطوات دخول السوق.. ما بين هذه النماذج الثلاثة لأزواج المتسوقات ضاعت الصورة الحقيقية للزوج السعودي، إما نتيجة قيود اجتماعية زائفة، أو عراقيل وهمية، حرمت الأسرة كاملة من حقها الطبيعي في التسوُّق.
وعلى دروب الخير نلتقي.