عروبة المنيف
«من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر»، كلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون، هكذا هي النفس البشرية، فلا أحد معصوم عن الخطأ، وتتفاوت درجة الخطيئة ومقدار جسامتها نتيجة للظروف النفسية والاجتماعية التي يعايشها الإنسان، فمن يعايشون ظروفاً اجتماعية ونفسية غير سوية وغير مستقرة يكونون معرضين للخطيئة أكثر من غيرهم وغالبا ما يجنون على أنفسهم، وتكون الخطيئة عظيمة الأهوال والعواقب عندما تصدر عن الأنثى، فأخطاء الأنثى ينظر إليها بعدسة مكبرة مقارنة بأخطاء الذكر.
إن تزايد حالات محاولات الانتحار الجماعية في دور «رعاية الفتيات» مؤخراً باتت أقرب إلى تشكيل ظاهرة خطيرة ينبغي إيجاد الحلول الجذرية لها، وذلك حسب تصريح إحدى الأخصائيات النفسيات في تلك الدور، التي أكدت على أن ما يحدث داخل الدور من تجاوزات يقمن بها المشرفات، يجبر الفتيات على إنهاء حياتهن، فالفتيات في الأصل يعانين من وضع نفسي غير مستقر، ومحاولة الانتحار تعني أن الفتاة وصلت إلى أقصى درجات اليأس من الحياة وإلى انعدام الإيمان بنفسها وبمن حولها. لقد انتحرت إحداهن عن إحدى وعشرين ربيعاً في رعاية فتيات مكة، وحاولت أربعة فتيات الانتحار منذ أيام في نفس الدار وذلك بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من إطلاق سراحهن من سجن النساء وإعادتهن للدار، وسجلت عشر محاولات انتحار في خلال خمسة أشهر من عام 2016م.
وتعاني «دور رعاية الفتيات» من الإهمال منذ زمن، وبشهادة القائمين على تلك الدور فهي تفتقر لبرامج الرعاية النفسية والاجتماعية الاحترافية، فالنزيلة الجديدة، تحبس في سجن انفرادي لفترة من الزمن، ثم يتم دمجها بعد ذلك مع النزيلات القديمات، بدون اعتبار للمرحلة العمرية أو الجنحة أو الحالة، وقد ارتفعت أصوات عدة تشتكي من سوء معاملة المشرفات للفتيات في تلك الدور، مع العلم أن الفتيات في مثل وضعهن بحاجة إلى من يقف معهن لا ضدهن، إنهن بحاجة لبرنامج تأهيلي نفسي مكثف يمارس عليهن منذ وصولهن للدار، حتى يصبحن أكثر قبولاً لأنفسهن أولاً ليقبلوا مجتمعهن، ويتبع التأهيل النفسي التمكين الاقتصادي، ومساعدتهن على الاستقلال الذاتي من خلال تأهيلهن مهنياً، ثم تأتي المرحلة الثالثة، مرحلة التأهيل الاجتماعي، وهي مرحلة إدماجهن في مجتمعهن، فمعظم الفتيات في الدور يواجهن برفض الأهالي استلامهن بعد انتهاء فترة محكوميتهن ويعتبر ذلك من أهم الأسباب التي تبرر بقاء الفتاة بالدار عدة سنوات، فالتمكين الاقتصادي واستقلال الفتاة في المسكن وحرية تنقلها وضمان حمايتها من أي مخاطر قد تتعرض لها هي من أهم الخطوات التي تعقب عملية التأهيل النفسي والاقتصادي والاجتماعي، وخصوصاً إذا رفض الولي استلامها، أما إذا وافق على استلامها فيجب عليه الإقرار بتجاوز ما حصل ومعاملة الفتاة المعاملة الراقية التي تليق بإنسانيتها وإلا سيعاقب.
أما في ظل ما هو متوافر في تلك الدور من إهانة للفتيات وسجنها ومن ضعف لبرامج التأهيل والتمكين، فهو أقرب إلى السجن منه إلى دار رعاية، وإقفال تلك الدور أسلم للفتيات من الانتحار، وأنصح بالإبقاء على سجن النساء فقط، فذلك أجدى وأوفر للدولة.