عبدالوهاب الفايز
مع التوجه الجاد للتوسع في التخصيص لدينا ثلاثة أمور أساسية تطورت من تجربتنا السابقة منذ إطلاق البرنامج في العام 1995، وللأمانة نقول إن الحكومة منذ منتصف الثمانينات كانت منفتحة على تخصيص القطاعات الحيوية حتى تسهيل على الناس حياتهم في القطاعات الخدمية التي لا تستطيع موارد الدولة، أو أساليب الإدارة الحكومية المعقدة مواكبتها، هذا هدف القيادة الذي لم يتبدل.
أول هذه الأساسيات التي تضمن نجاح برامج التخصيص هو جانب القيادة والإدارة. هذا هو مؤشر النجاح الأول، وفِي تجربتنا السابقة أخفقنا في بعض القطاعات لأننا سمحنا للقيادات الحكومية بالاستمرار في إدارة قطاعاتها، ونجاح وكفاءة التخصيص لا يعنيان بالضرورة مع تحول الملكية تبقى الإدارة الحالية. في هذا الجانب لم تكن لدينا الضوابط، فتاه برنامج التخصيص.
هناك من يرى أن استمرار القيادة للمشاريع بعد تخصيصها لن يأتي بالجديد، فسوف تظل القيادة والإدارة أسيرة أساليبها وطرقها القديمة، وسوف تستمر معها صراعاتها وإرثها السياسي والثقافي، وربما تتلبسها الأنانية والاعتقاد أن المنشأة أو الجهاز يخصها وحدها، أي تتصرف كأنها صاحب الحق المشروع، وهنا تكون بداية النهاية لمشاريع التخصيص!
أيضاً من الأمور التي عانينا منها في مسار التخصيص هو (تغير الإستراتيجية) وآليات العمل وتبدل الأولويات في بعض الأجهزة التي تم تخصيصها بسبب تغير القيادة والإدارة، وكان هذا عاملاً مربكاً لمسار التخصيص وتراجع مخرجاته. فِي سياق التحول الحالي للتخصيص نرجو أن يكون هذا في الاعتبار، أي لا تتبدل كل الإستراتيجيات والخطط التي سبق إقرارها من مجلسي الشورى والوزراء، فتغير الأولويات نتيجة لنظرة أو أهداف شخصية للإدارة لا يعطي المؤشر على أهمية العمل المؤسسي المحترف المستدام، ويؤثّر على هيبة مؤسسات الدولة السيادية، وفيه تبديد لجهد رجال الدولة والخبراء، والأخطر، أنه لا يراكم تجربة الحكم والإدارة في الدولة. ربما تتغيّر بعض الأهداف، وهذا متوقّع، ولكن الغريب هو تغيير كل الإستراتيجية! نتمنى أن نخرج من هذه الإشكالية.
كذلك من الأمور الضرورية لبرنامج التخصيص هو (عدم بيع أصول الحكومة) من الأراضي أو الممتلكات، والاتجاه إلى التأجير طويل الأمد، أو بيع أصول بالقيمة السوقية العادلة، واستبدالها بأخرى. هذا ينطبق على مقرات بعض الأجهزة الحكومية على الشوارع التجارية التي تستغرب وجودها، رغم ارتفاع ثمنها، ورغم أن موقعها غير ضروري للناس، ويُحدث ربكة كبيرة لحركة المرور. طبعاً مع تطور تطبيقات التعاملات الإلكترونية سوف تتلاشى أهمية المكان و(عظمته!) للمقرات الحكومية، فالأجهزة التي سوف (تختفي)، أو ينسى الناس مواقعها، هي التي سوف تنجح في إيصال خدماتها ومنتجاتها للناس في بيوتهم.
أيضاً نتمنى في برنامج الحكومة الحالي أن يضع أولويات القطاعات للتخصيص، وأجزم أن المسؤولين في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لديهم المعرفة الكافية بهذه القطاعات التي تواجه أوضاعاً حرجة، مثل الصحة والتعليم والإسكان وقطاع النقل وقطاع الخدمات البلدية، وغيرها. تركيز جهود الحكومة على أولويات محددة سوف يُسرّع برنامج التخصيص، ويقضي على الحالة المتوقعة لتنازع المصالح والصلاحيات بين الأجهزة الحكومية، وهذه الحالة التي تنبع من طبيعة البشر ومن طبيعة تبدل الإدارة تتطلب خبرة وحنكة القيادات لأجل تحييد آثارها السلبية حتى لا تؤخر تطلعنا إلى وضع أفضل لبلادنا.
بقي أن نعيد التأكيد على أهمية القيادة والإدارة، فهي عامل النجاح الأول سواء للقطاع العام أو الخاص. مثلاً، في تجربة الطيران المدني مع إدارة المطارات نموذج لأهمية الإدارة ودورها في إحداث التحول بدون زيادة تكاليف كبيرة، فقد تطورت الخدمة وتوسعت فرص العمل للشباب السعودي، وعكست الخدمة صورة إيجابية عن بلادنا عبر مشروع تغيير وتطوير المطارات، وهناك أمثلة أخرى.
أيضاً في تجاربنا السابقة نستطيع أن نقدّم العديد من الأمثلة الواقعية لفشل بعض مشاريع التخصيص بسبب عدم كفاءة الإدارة، ولن أذكر تلك التجارب بالتحديد لحساسيتها الثقافية في مجتمعنا، فالفشل كان نتيجة للممارسات القيادية والإدارية الخاطئة، وربما منبع المشكلة هو (نموذج التخصيص) الذي لم يراع أهمية القيادة والإدارة، وحساسيتها لإدارة المشروعات بعد التخصيص.
من الأمور التي تفخر بها بلادنا، ومنجز حقيقي لقياداتها، هو مشروع التنمية البشرية الذي أنتج الكفاءات الوطنية، من رجال الدولة ومن قيادات الاقتصاد، ومن الجيل الجديد، فأينما تلتفت تجد من تفخر به، هذا مستودع وسند التخصيص الأهم.