كما فعل السابقون من دول وكيانات وأحزاب سياسية وحشود شعبية، يبدو كذلك أن دولة قطر عازمة على اللحاق بركب السابقين من أمثال الرئيس اليمني المخلوع وصاحبه الحوثي والنظام السوري، وما يسمى بحزب الله وغيرهم ممن أرادوا الدوران في فلك إيران مقابل حمايتهم ودعمهم بالعتاد العسكري لمساعدتهم في الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها مع توسيع دائرة نفوذهم على حساب الأمن الإقليمي والاستقرار السياسي والاقتصادي في عموم المنطقة العربية.
ويبدو أن تلك الامتيازات والمكافآت التي دأبت إيران على تقديمها لكل التابعين لنظامها الإرهابي والمؤيدين لسياستها التوسعية والسائرين في ركبها قد راقت كذلك لدولة قطر، وبالتالي أرادت أن تستعين وتستقوي بنظام طهران ضد الأشقاء في دول الخليج العربي.
وأن ما يؤكد هذه الرغبة في الانحناء أمام إيران والدوران في مدارها هو ما نقلته وكالة أنباء قطر عن الشيخ تميم قوله إن «بلاده نجحت في بناء علاقات قوية مع إيران نظرا لما تمثله الأخيرة من ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، خاصة أنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها، وهو ما نحرص عليه من أجل استقرار الدول المجاورة»
من خلال هذه الكلمة تبدو لنا صورة المشهد السياسي واضحة فيما يخص طبيعة وخفايا العلاقات القطرية الإيرانية التي كانت سرّية لسنوات ثم اكتشفت مؤخرا بعد قيام الدول الخليجية بإزاحة الستار عن واقع السياسة القطرية المتمثلة في طريقة اللعب على المتناقضات, أي «معكم وضدكم» الأمر الذي يسّهل لها مواصلة دعم خلايا وفصائل إرهابية وتمويل كيانات تغلف نفسها بالتبرعات الإنسانية لزعزعة أمن واستقرار المنطقة. وهو الدور الذي كانت ولازالت تلعبه إيران في الساحة العربية منذ سنوات طويلة، بدءا من العراق وسوريا ومرورا بلبنان واليمن والكويت والبحرين, ثم نلاحظ أخيرا محاولتها استغلال الأزمة الخليجية لجعل قطر بيئة جديدة للوجود الفارسي, وقاعدة لتفتيت وحدة دول الخليج. غير أن إيران - المقاول الرئيس والمتعهد بتنفيذ أجندة استخبارات أجنبية بغية تصدير الثورة والوصول إلى أهداف تمددية تحت غطاء «الموت لأمريكا وإسرائيل» - تبدأ كعادتها في مشروع الهدم، ثم تقدم جزءا منه لمقاول من الباطن ليتولى نيابة عنها إتمام عملية الهدم والتدمير.
وحتى تكون إيران في نظر دول العالم بمنأى عما يحدث من توترات وصراعات إقليمية، فإنها تتبنى سياسة إشعال الحروب بالوكالة من خلال إيجاد أذرع عسكرية لها في بعض الدول العربية. ومن هنا شاهدنا كيف صنعت إيران مجموعة من الأذرع الرئيسية في منطقتنا العربية؛ مثل حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وجماعة الحوثي في اليمن وفصائل أخرى مسلحة في سوريا.
وها هو الذراع الجديد يطل علينا من الخليج ويعلنها صراحة بعد المقاطعة بأن إيران، الصديقة الودودة و»الضامنة لاستقرار من يتعاون معها» تفتح مجالها الجوي والبحري لقطر وتقدم للشعب القطري كل ما يحتاجه من الغذاء والدواء ومستلزمات العلاقات الثنائية الجديدة.
ويبدو أن قطر كانت تتولى سراً مهمة صناعة مجموعة أخرى من الأذرع الفرعية، أي الأحزاب والجماعات والكيانات التي أعلنت الرباعية العربية عن إدراجها في قائمة الإرهاب المدعوم إعلاميا وماليا من قطر. وأن ما يؤكد هذا السيناريو هو اعتراف وزير خارجية قطر خلال مؤتمر صحفي له في روما من أن بلاده تدعم الإرهاب لكنها في ذيل القائمة وليست في المرتبة الأولى. والمعنى المقصود بـ «ذيل القائمة» هو أن قطر لا تستحق المقاطعة والاستياء والغضب لموقفها الداعم للإرهاب طالما أنها لم تصل بعد إلى مستوى إيران مثلا التي تحتل المرتبة الأولى عالميا في دعم كل أشكال العنف والإرهاب المنظم.
وبالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، لم تتضح أبعاد هذا التحالف والتقارب والغزل السياسي إلا بعد نشوب الأزمة القطرية وإعلان المقاطعة العربية التي دفعت الأمور باتجاه كشف أسرار العلاقات القطرية مع إيران وأذرع وأصابع وأظافر إيران في المنطقة العربية. وقد سمعنا وفهمنا بعد ذلك أسباب دعم قطر للإرهاب في ليبيا ومصر والبحرين واليمن، وأدركنا سبب الجنوح المتكرر عن مسار القافلة الخليجية ثم العودة للمسار فالخروج عن الصف والتحجج بالسيادة وما إلى ذلك من المزاعم والحجج الواهية.
في ضوء هذه المعلومات من تاريخ «الدعم والمساندة» وتشجيع الأطراف المسلحة والكيانات الإرهابية المتطرفة لإثارة القلاقل السياسية وتهديد الأمن والاستقرار, نستذكر قصة المخلوع علي عبدالله صالح الذي حظي خلال ثلاثين عاما من فترة رئاسته بوقوف المملكة العربية السعودية إلى جانب بلاده وشعبه, وخاصة فيما يتعلق بمسألة توحيد شطري اليمن وتقديم المساعدات المالية والاغاثية للشعب اليمني الشقيق والمساهمة في تمويل مشاريع تنموية والاستمرار في دعم اقتصاد اليمن حتى اندلاع الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع وأجبرته على التنحي بعدما أصيب بشظايا صاروخ أطلقه عليه الحوثيون الطامعون في السلطة, وأدى إلى احتراق وجهه بالكامل مما تطلب نقله إلى المملكة العربية السعودية لتلقي العلاج في الرياض حيث باشرت الطواقم الطبية السعودية آنذاك العمليات الجراحية الدقيقة لترميم وجهه وتجميله, ثم بقاءه في مستشفيات المملكة حتى انقضاء فترة النقاهة. وما أن تماثل للشفاء وعاد إلى بلاده حتى غدر بمن أكرموه واستضافوه، ونقض تعهداته وغيّر مواقفه من اتفاق المبادرة الخليجية مفضلا الدوران في فلك إيران والانقلاب على الأصدقاء والتعاون مع أعداء الأمس من الحوثيين.
وها هو السيناريو يتكرر مجددا مع قطر التي اتخذت موقفا معاديا وانقلبت على أشقائها في مجلس التعاون الخليجي وتظاهرت فيما بعد بحسن النوايا والاستجابة لمطالب دول الخليج, ثم تجاهلت توقيعها على اتفاق الرياض 2013 والاتفاق التكميلي عام 2014م. وحينما لم تتوقف عن سياسة التحريض وزرع بذور الفرقة ودعم الجماعات الإرهابية, اتخذت الدول المجاورة قرار المقاطعة أملا في التراجع عن مواقفها المعاكسة. وبدلا من أن تستجيب الدوحة لمطالب الدول الشقيقة لحل الأزمة، يتفاجأ العالم بترحيب قطر لنشر قوات عسكرية تركية على أراضيها وإرسال إشارات أخرى إلى إيران للإيحاء بأنه لم يعد بإمكانها إخفاء العلاقات والتفاهمات السابقة, وأنه قد حان الوقت لإعلان العلاقات وبدء الدوران في مدار طهران لأجل المضي قدما في سياستها الرامية إلى تحقيق الأهداف من خلال العبث بأمن واستقرار الدول الأخرى مما يشكل انتهاكا لمبادئ القانون الدولي الذي يجرّم التدخل في شئون الدول الأخرى، ويدين تقديم الرعاية والاستضافة لعناصر وكيانات مدرجة على قوائم الإرهاب.