محمد آل الشيخ
من الثابت أن حاكم قطر الحقيقي هو حمد بن خليفة ومعه في تنفيذ مهامه حمد الآخر ابن جاسم، والذي لا علاقة له بالسلالة الحاكمة إلا أنه ينتمي إلى ذات الأرومة. حمد بن خليفة، ومعه حمد بن جاسم، شعرا مثلما لم يشعرا من قبل أن نهاية كارثية تنتظرهما على غرار نهاية القذافي في ليبيا، بعد أن فاجأتهما ثلاث دول خليجية ومعهم مصر بموقف قوي حازم، أدى إلى قطع كافة العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع قطر كما هو معروف، واتضح بعد الأزمة أن من يدير السياسة في تلك الدويلة متناهية الصغر هو أميرها السابق الذي قيل إنه تنحى، وتنازل لابنه، واتضح فيما بعد أن الابن ما هو إلا (خيال مآتة) بينما خيوط السلطة في يد والده ومعه حمد الآخر.
أزمة قطر كشفت للجميع، وأولهم القطريين، وعلى رأس القطريين، حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، أن مساحة المناورة السياسية أمامهم أصبحت أضيق إلى درجة كبيرة، وأن الخروج من الأزمة يعني عمليا، لا لبس فيها أو مراوغة، أن يذهب الحمدين إلى مزبلة التاريخ، مثلما ذهب قرينهما معمر القذافي، وليس ثمة خيار آخر غير هذا الخيار؛ هذا إذا رغبت قطر أن تعيد المياه إلى مجاريها مع دول محيطها الجغرافي، وإلا فليس إلا التدهور الاقتصادي والاجتماعي والعزلة، التي ستكون بمثابة الخناق الذي تزداد تأثيراته وانعكاساته مع مرور الزمن داخليا وخارجيا.
ولأن حمد شعر - على ما يبدو - بهذه الحقيقة المرعبة بالنسبة له، ولا مناص منها، خطا خطوته الأخيرة والمتهورة وغير المحسوبة جيدا، والمتمثلة بادعائه أن المملكة (تسيس) الحج، ودعا ضمنيا إلى تدويل الأماكن المقدسة، ما اضطر وزير الخارجية السعودي إلى التعليق على هذا القرار بأنه بمثابة (إعلان الحرب)، الأمر الذي أخذ بالأزمة مجددا إلى مرحلة متقدمة من التصعيد والاحتقان.
موقف قطر الجديد هذا يتماهى تمام التماهي مع موقف الفرس الغزاة الصفويين، ولا يمكن قبول عقلاء قطر، ذوي الجذور السلفية الضاربة في الأعماق، مهما كان قمع وظلم واضطهاد حمد لهم، قبول هذا التماهي الإيراني القطري، الذي يمس معتقداتهم، غير أن حمد عندما أحس بالاختناق، وليس ثمة مناص، أراد أن ينتحر سياسيا، وتنتحر معه قطر بشعبها وحاضرها ومستقبلها، ولسان حاله يقول: (إذا مت ضمآنا فلا نزل القطر).
وهنا أود أن أشير إلى ما قاله المفكر السعودي الدكتور تركي الحمد عن أزمتنا مع قطر ومحتواه أن قطر ليست القضية ولكن قضيتنا مع الفرس من جهة والعثمانيين من جهة أخرى اللتين توظفان قطر لتنفيذ أهدافهما. وهذا صحيح، وتأكد ذلك بعد أن تبنى حمد الموقف السياسي الفارسي تجاه الحرمين، وهو موقف يعني بالنسبة لكل سعودي مثل قضية المساس بالعرض والشرف، لا يمكن البتة أن يقبل بالمساس بها مهما كانت التبعات والعواقب، ولا أدري هل الحمدين يدركان ذلك، أم أنهما في غيهما يعمهان.
وعلى أية حال فإن القضية تطورت الآن إلى المساس بقدسية الوطن، والمملكة التي يمتد تاريخها إلى قرابة الثلاثة قرون، وقبل أن توجد مشيخة قطر، وأن تتمحور شرعية وجودها كدولة على مجرد بئر غاز اكتشفه البريطانيون لهم ذات يوم.
إلى اللقاء