رجاء العتيبي
عندما تسيّد (التلفزيون) الفضاء الإعلامي في سنوات مضت، وانتشر وهيمن، كان ذلك على حساب (الإذاعة) فبدت الإذاعات في وضع يوصف (بالقديم) وهجرها المستمعون إلى جهاز يتعاملون معه (صوت وصورة) بكل ما فيه من إثارة وتشويق.
صار في كل بيت (تلفزيون) بمختلف الأحجام والألوان والأشكال، أما الإذاعة فبدت منزوية في طرف قصي لا ينظر إليها أحد، وكانت الإذاعة السعودية من بين من طالها الهجران حتى ليخيل إليك أن لا أحد يستمع إليها.
هذا أعطى شعور أن (الإذاعات) انتهى زمنها وتوقع الكثير أن مآلها إلى أرشيف التاريخ، ولكن سرعان ما تحول الموقف، ففي الوقت الذي اقتنعنا فيه أن الإذاعة ـ أي إذاعة ـ انتهى زمنها، فإذا بنا نسمع عن فتح إذاعات جديدة (روتانا، يو إف إم، إم بي سي إف إم، ألف ألف، ميكس إف إم، بانوراما).
شيء يدعو للاستغراب كيف يمكن للإذاعة أن تعود من جديد وتنافس وتحقق جماهيرية؟ هل ثمة أحد يستمع للإذاعة؟ من بعثها من مرقدها؟ لم نصدق حتى صدر قرار مجلس الوزراء رقم (182) لسنة 2004م بشأن نظام ترخيص المحطات الإذاعية والتلفزيونية والفضائية واللاسلكية.
هنا طرحت أسئلة أخرى: هل يمكن أن تنجح هذه الإذاعات الجديدة وتنافس في ظل وجود التلفزيون والقنوات الفضائية؟ وما هي إلا أشهر معدودة حتى بدت تصدح هذه الإذاعات صباح مساء وسط متابعة غير متوقعة من الجماهير، وحظيت بحجم إعلاني مشجع.
الإذاعات الرتيبة، تبدل جلدها بمجرد أن تحولت للقطاع الخاص وباتت الإذاعات المرخص لها أكثر حيوية ونشاطاً ومتابعة، وكان لمبدأ المنافسة الدور الكبير في تطورها، وهاهي تعمل حتى اليوم بصورة معقولة جداً.
التلفزيون الحكومي الذي فقد بريقه بظهور قنوات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية الخاصة، يمكن أن يتطور هو الآخر، إذا تم (خصخصته) وأسند (تشغيله وصيانته) للقطاع الخاص، والأمر لا يحتاج إلى كثير لجان، وإنما إلى نظام خصخصة، وقرار من مجلس الوزراء, وانتهى الأمر.
وتبقى وزارة الثقافة والإعلام: المشرع والمنظم والقانوني، هذا إذا أريد لها أن تبقى، أو أنها تلغى تماماً كما هو حاصل في كثير من دول العالم، ويبقى أمرها لدى الهيئات والمؤسسات والقطاع الخاص، من خلال نظام استثماري مرن ونظام قانوني دقيق، ونظام استقطاب الكفاءات المتميزة.