د. حسن بن فهد الهويمل
غذاء الأفكار كغذاء المعدات. سواء بسواء. وما تحدثه الأغذية الفاسدة من غثيان، ومغص، تحدث مثله الأغذية الفكرية.
ومع التشابه، فإن الفرق بين الغذاءَيْن مثلما بين المشرق، والمغرب. فغذاء المعدات تكشف لك عن فساده عوارضُه الصحية. أما غذاء الأفكار فيسري في أجهزة التحكم كالخدر، ولا يستبين المُسْتَدْرَجُ فسادَه إلا حين يقع في حبائله.
الدول المدنية الراقية تراقب المنافذ والأسواق، وتعاقب المسوِّقين للأغذية الفاسدة.
لكنها لا تستطيع صد الأفكار الفاسدة المُفْسِدة. ولاسيما بعد ثورة التقنية [النانو]، والانفجار المعرفي.
وإذ لا تملك القدرة على المنع فإنها تملك المواجهة، والتحصين، وتجْفيف المستنقعات الآسنة، وما يتولد على حوافيها من حشرات بشرية مؤذية.
أجيال أمتنا القادمة في خطر؛ لأنها فضاءات بُوْر، قابلة لإنبات ما يُزرع فيها. وحين يسبق إليها المفسدون يصعب إنقاذها.
المصادر التقليدية:- المدرسة، والمسجد، والمجتمع، والإعلام.. لم تعد سيدة الموقف.
ومَنْ عول عليها خسر الرهان.
- فمن يصنع الأنساق الثقافية إذن..؟!
هذا مربط الفرس. أجواء عالمنا الفكرية كأي أجواء عالمية مخترقة. والضخ الإعلامي كالهواء، يستنشقه النائم، والمستيقظ، والكبير، والصغير، والعالم، والجاهل، ومريض القلب، وصحيحه.
ونَسَقٌ يُصنع على أعين زائغة، مطموسة، سيكون كما إساءة المعلم:-
[وإذَا المُعلِّمُ سَاءَ لحَظَ بصيرة … جَاءَتْ عَلَى يَدِهِ البَصَائِرُ حولا]
فما بالك بمعلم كل يومه إساءة، وكل ليله سفاهة.
[النذير العريان]، و[الرائد الذي لا يكذب أهله] مثلهما في معترك الأقران، كمثل [جحا، وحماره، وولده] عند مروره بالناس، ففي كل الأحوال المحتملة لا يسلم من السخرية، والهمز، واللمز. سواء ركب وحده، أو مع الغلام، أو ركب الغلام وحده، أو تُرِك الحمار بلا ركوب.
إنه مذموم حين يتحدث، وملوم حين يصمت، ومهموز حين يوافق، وملموز حين يختلف.
والمستهدفون بالنصح كما [عش الدبابير] في المطاردة، واللسع.