خالد بن حمد المالك
لا تمثل أزمة قطر تطورات جديدة في الحالة القطرية، ولا تعد تغيراً غير طبيعي استجد في السياسة لدولة قطر، ومن يعتقد غير ذلك فهو كمن لا يتابع مجريات الأمور في الدوحة، فهذه السياسات التي تدار بها الدولة هي ذاتها، ليس الآن، وإنما منذ عشرين عاماً، وتحديداً منذ أن أقدم الشيخ حمد بن خليفة على الانقلاب على والده الشيخ خليفة آل ثاني، واستولى على الحكم في البلاد، وامتدت هذه السياسة في حكم الشيخ تميم بن حمد بعد أن تنازل له والده الشيخ حمد عن الحكم في ظروف غامضة وأسباب مجهولة، وما يحدث الآن لا يعطي أي انطباع يخالف ما كان يجري على مدى عشرين عاماً مضت، وإنما يعكس الصورة الحقيقية للشخصية القطرية المضطربة لنظام الحكم في دولة قطر.
* *
فدولة قطر حاولت أن تحيط سياساتها ما بعد عهد الشيخ خليفة بالغموض والتقلبات، وتأخذ في ترسيخها بمبدأ التدرج، ولكن مع الاحتفاظ بالأهداف والمخططات المرسومة لها، والقفز على كل الثوابت والتقاليد في تعاملها وتعاونها مع دول مجلس التعاون العربي، مفتعلة التباين في وجهات النظر، ثم إثارة الخلافات مع هذه الدولة أو تلك من دول المجلس، وترك الحلول الشكلية للوسطاء، حيث اعتادت على عدم الالتزام بما يتم التوصل إليه لفض الخلافات، وخلق أسباب أخرى لإثارة موضوعات جديدة تثير شهية الدوحة لتدمير البيئة المناسبة والأجواء التي تساعد على جعل مركب الخليج الواحد باقياً في لجج البحار المضطربة، مما قوّض كل المصالحات السابقة مع قطر، وصعّد من عدم القدرة على تطويقها، وجعل دول المنطقة في حالة غليان دائم مع هذه السياسات القطرية التي ليس لها من هدف سوى خلق الفوضى، وإيجاد بيئة تطرفية وإرهابية تشغل دولنا عن مسؤولياتها الأخرى، وتصرف أنظار مسؤوليها عن التحديات التي ينبغي أن تواجهها بالعمل المفيد للمواطنين.
* *
نعود في هذا الكلام إلى التذكير بما قاله وزير خارجية البحرين عن دور القوات القطرية في التحالف القطري في استشهاد عدد من العناصر الإماراتيين في التحالف، بسبب التآمر القطري المكشوف، فبينما كان المطلوب من القوات القطرية التي كانت متواجدة في ذات المكان، فقد انسحبت تاركة وراءها القوات الإماراتية، وفي ذات الوقت وباختراق مكشوف تم اتصال القوة القطرية بالمجرمين الحوثيين، وإعطاؤهم المعلومات لإرسال صواريخهم إلى حيث تتواجد القوة الإماراتية، حيث استشهد من استشهد وأصيب من أصيب، فيما كانت قطر بهذه الجريمة تغرق بخيانتها، وبالتخلي عن المشاركة الصادقة في إنقاذ الشعب اليمني من سجانه، وتحريره من الانقلابيين، والعمل على إعادة الشرعية إلى ربوع اليمن الشقيق، وليس من تفسير لما حدث، إلا أنه جزء من السياسة القطرية، التي فشلت كل المحاولات معها لثنيها عن أدوارها التخريبية أو إقناعها بأن القدرة على تحمل كل مؤامراتها لم تعد ممكنة, وأن عليها أن تتحمل مسؤولياتها، فلا تبقى دولة متمردة إلى الأبد.
* *
لقد كان طبيعياً أن يحدث هذا، لمن يعرف الخلفية التاريخية للسياسة العدوانية القطرية، ولمن تأكد لديه أن قطر هي قطر، ولم تعد تخفي شيئاً مما يُطبخ لها من مواقف وسياسات، فهي مع الحوثيين، وإن شاركت مع التحالف العربي، وهي مع إيران، وإن كانت أطماع طهران وتدخلاتها بدولنا معلنة على الملأ، وهي مع الإخوان المسلمين، رغم أن أهدافهم العمل بالقوة لإقامة دولتهم الإسلامية المزعومة على كامل دولنا، إنها مع حزب الله، مع ما يشكله من تعاطٍ ضد مصالح دولنا من خلال استخدام عناصر من مواطنينا، والسلسلة طويلة في تناقضات السياسة القطرية، فهناك حماس، ومن يسمون بالقوميين والبعثيين، وكل العناصر المعارضة لدولها، وكثير من المنظمات والكيانات، أي أننا أمام حالة غريبة عجيبة، ومع أجندة لا يحسن العمل عن جهل في التعامل معها إلا الشقيقة الصغرى دولة قطر، بمعنى أننا لا يمكن أن نفهم الدولة القطرية، ونتعرف على شيطنتها، ونسبر غور أهدافها الخطيرة، إلا حين نقف على تفاصيل التفاصيل عن تدخلاتها، وتمويلها للإرهاب، وحين نستعرض بيانات بأسماء من يقيمون بقطر من غير القطريين.
* *
وقطر لديها لتنفيذ مخططاتها كل ما تحتاج إليه، حيث المال والصرف منه بسخاء في تنفيذ مؤامراتها، والتعاون مع إيران وإسرائيل وفتح المجال للتعاون مع الإرهابيين والمتطرفين، وضمان سلامتهم بالإقامة في الدوحة، واستخدام الإعلام - وهنا مربط الفرس - في خدمة هذا المشروع التآمري على منطقتنا، فقد فكرت منذ أن حدث الانقلاب بإقامة قناة الجزيرة بإمكانات فنية ومالية عالية، واستقدمت للعمل بها كل الأبواق الإعلامية العربية وغالبيتهم من الإخوان المسلمين، لإيصال رسائل قذرة ومتآمرة، وهدفها زعزعة الأمن والاستقرار في منطقتنا ببرامج وأخبار ولقاءات، تتسم بالكذب، وتفتقر إلى المصداقية، ويغيب فيها الضمير الأخلاقي والانساني والعربي والمسلم، ما لا تجده في أي إعلام آخر على امتداد الأرض، إلا في قناة الجزيرة المسيسة لخدمة المشروع الفارسي والإسرائيلي والإخواني، بما لم يعد مجهولاً أو غامضاً، أو محاطاً بالسرية كما كان ذلك في بداية انطلاق القناة، فقد أخذت بالتدرج لعدم خسارة المشاهدين أو أكثريتهم.
* *
فمن الذي يدير قطر بهذه السياسة التي حافظت على نمطها، وظلت تعطي ظهرها للأشقاء، وتتجه نحو الأعداء من دول ومنظمات وكيانات وأفراد، وكأنه لاحول لها ولا قوة، وكأن من يدير هذه الدولة الصغيرة غير القطريين، أو أن ما يخطط له هو ذلك، فهل نحن على موعد غير هذا الذي نراه، بعد أن نجح النظام في قطر في تعميم التطرف، وتفشي الإرهاب، وما الذي ينتظر المنطقة إذا ما ظل سيد البيت الأميري يسمح بهذا العبث، متنازلاً عن حقه في منع هذه الجرائم بالدعم والمساندة، وهل يُقبل من قطر أو غير قطر أن تواصل مثل هذه السياسة، وفيها من الأضرار ما لحق وسوف يلحق بجميع دولنا ومنطقتنا، وإلى متى، وقد أصبح كل شيء على المكشوف، وغير قابل للإنكار، وبعد أن فتحت الملفات، وتخلت الدول التي أصابها الضرر القطري عن صمتها، ومجاملاتها، ومراعاتها لحق الشقيق والجار على مدى سنوات كثيرة مضت، وهل قطر على استعداد للحوار وصولاً للقبول بجميع الشروط والمتطلبات والضمانات، أم أن هذا للتسويف، وإضاعة الوقت؟!.
* *
هذه تساؤلات أو بعض تساؤلات عن عمق الأزمة القطرية، وفيها همومنا وهموم أهلنا في قطر نبثها بإخلاص، نكتبها بكل الحب، وندعو بها النظام القطري إلى الإصغاء إليها، وإلى وضع حد لكل ما يجري في قطر ومنها، فلم تعد الدول الشقيقة والحالة هكذا تقبل باستمرار عدوان قطر، أو أن تتحمل المزيد من الصدمات بفعل الإرهاب القطري، بينما ما هو مطلوب من الدوحة أن تتعامل مع هذه التطورات بعقلانية وحكمة ورأي سديد، فتتخلى عن كل ما ألحق الضرر بالمملكة والإمارات والبحرين ومصر، وتمتنع عن كل ما آذاهم، وتحاول أن ترضيهم بحقهم عليها في إيقاف هذه التصرفات العدوانية الكريهة، فقطر في الموقف الأضعف، وإن حاولت أن تبدو غير ذلك، وهي الأكثر تضرراً، وإن بدت وكأنها لا تدرك ذلك، وهي كذلك لا تملك خياراً لاستقرارها وأمنها ورخاء مواطنيها إلاّ عبر دول المجلس ومصر، ولن تكون خياراتها الأخرى مع إسرائيل وإيران وتركيا والإخوان المسلمين وحماس وحزب الله والحوثيين إلا الخيار الخطأ.
* *
قطر هي قطر، في انحرافها نحو سياسات خاطئة، والأخذ بأجندة متهورة، فقد باعت كل مصالحها، وتخلت عن الشيء الجميل في مستقبلها، وركضت نحو المستقبل الغامض، وتمسكت بالعدو المتآمر، ونكثت الوعد والعهد مع الشقيق والجار والصديق، ومثلما هي دولة صغيرة، فقد ظهرت دولة بحجم أصغر، تعيش في عزلة، منبوذة من أشقائها، لا صوت لها إلا قناة الجزيرة، ولا صديق لها إلا من هو عدو لها ولأشقائها، وهكذا حكم نظام السلطة فيها على هذه البلاد العزيزة، وعلى شعبها الشقيق، بلا أدنى مسؤولية، أو اعتبار، أو عمل سليم يضع قطر كما شقيقاتها على اعتبار مستقبل أفضل، بالتعاون، والتفاهم، وتبادل الخبرات، والتركيز على ما يحقق المصلحة لقطر ولكل أشقائها، كما هو بين بقية دول مجلس التعاون الخليجي العربي، الذي تحكمه تفاهمات صادقة، وتعاون مخلص، وسياسات موحدة.
* *
لا تقل يا تميم وغير تميم - مع كل احترامنا - إن هذا تدخل في شؤون قطر الداخلية، لا تحدثونا عن السيادة المزعومة، كفى قولاً بأنكم لا تأوون الإرهابيين ولا تقيم المنظمات الإرهابية في البلاد، فكل ما يجري في قطر لا يمكن أن ينظر إليه بغير قياسنا، أو أن يقال عنه بغير ما قلناه، فأنتم تعبثون بأمن المنطقة، وتتآمرون عليها، ولم تتركوا فرصة تتاح لكم دون الإساءة إليها، ومن حقنا أن نقول لكم كفى عبثاً وتآمراً وتطرفاً وإرهاباً.