د. عبدالواحد الحميد
الناس المسنون هم في سباق مع الزمن، وكلما تخلَّفوا عن مواكبة المستجدات ازدادت شيخوختهم ليس فقط كمشاعر وأحاسيس وإنما أيضا كواقع فعلي لأنهم ينفصلون بالتدريج عن سياق المجتمع وحركته ويركنون إلى عاداتهم وأشيائهم القديمة وما درجوا على استخدامه من أدوات ووسائل وطرق في التعامل مع مفردات يومهم ومع من حولهم.
وقد لاحظت أن بعض الأشخاص ممن هم في أعمار متوسطة وفي مرحلة ما قبل التقاعد، وبعضهم يحتل مواقع وظيفية عالية، قد وضعوا حاجزاً نفسياً سميكاً بينهم وبين بعض ما وفرته التقنية في السنوات الأخيرة من خدمات جعلت الحياة العملية والشخصية سهلة وميسرة؛ فمازالوا يصرون على استخدام ما تعودوا عليه من أدوات ووسائل تجاوزها الزمن، مثل صاحبي الذي مازال يستخدم جهاز الفاكس لأنه لا يعرف كيف يستخدم البريد الإليكتروني أو زميل آخر مازال يكتب مقالاته ودراساته بالقلم ثم يبحث عمَّن يطبعها له ويعيد الكرَّة مرات أخرى بعد أن «يُبَيِّض» و «يُسَوِّد» في حين أن بإمكانه، وبجهدٍ بسيط، أن يتعود على الطباعة من كمبيوتر شخصي أو حتى من جهاز الآيباد أو أي وسيلة أخرى فيضيف ويحذف ويقدم ويؤخر بـ «ضغطة زر»!
ظاهرة رفض الجديد ومقاومة التغيير ليست طارئة بل قديمة وهي ليست من خصائص مجتمعنا وإنما موجودة في كل المجتمعات وفي كل الأزمان؛ ومنها يتولد صراع الأجيال في العائلة الواحدة وفي المجتمع الواحد.
ومما تناقلته وسائل الإعلام العالمية مؤخراً، كنوع من الطرافة والمفارقة، أن رئيس المفوضية الأوروبية الذي تجاوز الستين من عمره كشف أثناء مؤتمر مع بعض السياسيين الأوروبيين إبَّان مناقشة ضرورة بناء مستقبل رقمي معلوماتي متقدم للاتحاد الأوروبي إنه لا يمتلك حتى الآن هاتفاً ذكياً، وكان ذلك بالتزامن مع التحضير لقمة العشرين التي جعلت «رَقْمَنَة» الاقتصاد العالمي أحد أهم بنود جدول أعمالها!
بالطبع لم يكن رئيس المفوضية الأوروبية فخوراً بهذه الحقيقة، بل أنه سخر من نفسه أمام الصحفيين! وأجزم أن هذا الرجل كان ضحية كسله وتباطؤه وتوافر تسهيلات مكتبية وسكرتاريا تقدم له كل ما يحتاجه.
وعلى أي حال، هذا الكلام لا ينطبق على الجميع، ولابد من الإشارة إلى أن الكثير ممن يُعْتَبَرون «مسنين» هم من أشد المواكبين للمستجدات. لكن المؤكد أن من يعزل نفسه عن مستجدات زمانه سيجد نفسه بالتدريج على هامش الحياة وغريب في مجتمعه وبين أهله. فتجددوا، أيها الناس، كي لا تشيخوا قبل أوانكم!