عمر إبراهيم الرشيد
من نافلة القول إن ارتباط الإنسان بالشجرة قديم قدم خلق آدم عليه السلام، ومعلوم قصة أكله منها وهي التفاح حسب المشهور من التفاسير رغم أن القرآن الكريم لم يحدد ماهية الشجرة بالاسم. وجميل هذا التنادي وتلك الصيحات التي انطلقت بعد أن طفح الكيل وضاق الناس أنفاسا وصدورا بهذا التلوث البيئي والهوائي والبصري. الخلل البيئي الذي بدأ عندنا منذ ثلاثة عقود أو تزيد، ليس الاحتطاب والرعي الجائر هما السببان الوحيدان للتصحر المتنامي في المملكة، وإنما وبكل أسف ساهمت الممارسات البلدية بالتسلط على الأشجار وبترها قبل أن تبلغ طولها، هذا إن زرعت أصلا في شوارع مدن المملكة وبلداتها، لأن النخيل هو السائد كما كتبت من قبل مرارا وكتب غيري الكثيرون، والنخلة شجرة عزيزة لاتقبل العيش الحقيقي بين خرسانة الأرصفة والأسفلت الأصم ويقتلها عادم السيارات فتموت واقفة وتظل شكلا بلا خضرة ولا أكسجين يبدد التلوث ويكافح الأمراض الصدرية وغيرها من الأسقام. لا أعمم بالطبع فهناك مسئولون وموظفو أمانات وبلديات واعون بيئيا وحضاريا، إنما لايزال أمام وزارة البيئة والزراعة والمياه تحديدا مشوار طويل لتغيير هذا الواقع، ومن سار على الدرب وصل كما تقول الحكمة فالمهم عقد النية والانطلاق.
هذه الآونة وعبر وسائط التواصل كما قلت تنادى المخلصون والواعون في مجتمعنا لتغيير هذا الواقع الأشهب وإعادة اللون الأخضر إلى شوارع وميادين مدننا وبلداتنا، قديما كانت السدرة هي الشجرة الغالبة في بيوتنا وحاراتنا، إلى جانب النخيل في مكانه الملائم، الحمضيات، الكينة، الأثل وغيره، فكان هناك توازن لابأس به وكما تسمح الإمكانيات في تلك الفترة. رابطة سدر التطوعية، جمعية اليسر والنباتات الصحراوية، آفاق خضراء وغيرها من الجمعيات التطوعية والمجموعات الواعية، إضافة إلى المبادرات التي انطلقت وستنطلق لإعادة الرئة الوطنية الخضراء إلى مدننا وقرانا، كل هذه مثار فخر واعتزاز لكل محب لوطنه وبيئته بل ولكل من يعقل ويدرك معاني قوله- صلى الله عليه وسلم- (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) . وأنين جذع النخلة التي كان يرتقي عليه- صلى الله عليه وسلم- ليخطب في الناس، حزنا على فراق النبي له. المكانة العالية لشجرة الزيتون وثمرتها وزيتها (يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار)، وأقسم الله تعالى بالتين والزيتون، ووصفه تعالى للنخلة بأنها (أصلها ثابت وفرعها في السماء)، كل هذه وغيرها من الآيات والأحاديث الشريفة، وعناية المسلمين في الجزيرة العربية والأندلس وغيرهما، تبين بجلاء أن الشجرة أصل من أصول الحضارة والمدنية لاتستقيم ولايقر عيش بدونها، مهما بلغ العمران والتطور. ولنستحضر مكانة شجرة السدرة بالمناسبة، فلها رمزية عندنا لاتخفى على المسلم الأمي قبل المتعلم، في قوله تعالى (عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة مايغشى ). إلى جانب ارتباط ورق السدر وأثره في السنة والطب النبويين، فبادروا واغرسوا ولو شجرة أمام بيوتكم أوفي أفنية منازلكم تصحوا.. طابت أوقاتكم.