عبدالعزيز السماري
تمر المملكة في الوقت الراهن بحالة من الركود في أعمال الإنشاءات، لكنها قد تكون مؤقتة، فالحاجة إلى الأعمال الإنشائية لن تنتهي، ويحتاج الوطن في المستقبل إلى السواعد الوطنية للمشاركة في هذا المجال الحيوي، والذي تصطدم أعماله بإنعدام الكفاءات الوطنية في أعماله.
ما يجري من تصفيات لبعض شركات المقاولات الكبرى لأعمالها فرصة ذهبية لإحداث التغيير الاجتماعي في بنية هذه الأعمال، فما حدث في الماضي كان عبارة عن عقود لا تنتهي في الباطن بين صاحب الشركة الإنشائية والكوادر الأجنبية، وكان نصيب العامل أو المهندس السعودي من تلك العقود الضخمة لا شيء يُذكر.
علمتنا التجارب أن الشركات العملاقة أحدثت التغيير المطلوب في ثقافة العمل في المجتمع، فأرامكو كانت النموذج الذي حوّل المجتمع الريفي والريعي إلى عمالة وطنية منتجة بامتياز، كذلك أثبتت التجارب أن الشركات الحكومية أكثر قدرة على النجاح من محاولات القطاع الخاص، والتي تفكر بالأرباح بأقل مجهود.
حان الوقت لتأسيس شركة عملاقة في مقاولات البناء والإنشاءات، قد تطرح بعض أسهمها للاكتتاب العام، ومن المتوقع أن توفر عشرات الآلاف من فرص العمل في مختلف المهن للمواطنين، وستكون بمثابة الأكاديمية التي تنتج للمجتمع مواطنين في مختلف المهن..، وسيكونون نواة لمجتمع مختلف وربما متكامل في مختلف خدماته.
أيضاً قد تحقق الدولة نجاحاً مشابهاً في خدمات الصيانة ولتشغيل، فالنموذج المطلوب في هذه المرحلة هو أيضاً شركة وطنية عملاقة تقدم خدمات الصيانة والتشغيل للمباني والمشاريع الحكومية، وهو ما سيؤدي أيضاً إلى تدريب وتوظيف عدد هائل من المواطنين، وبالتالي إعادة إنتاج العمل الوطني في اتجاه هذا القطاع الهام.
هذا بالإضافة إلى المكتسب الأهم وهو إثراء الاقتصاد الوطني، ورفع مستويات الدخل، وخفض معدلات البطالة إلى حد كبير، والمهم الآخر خفض التكاليف إلى درجة كبيرة، وهو بيت القصيد في المرحلة القادمة.
من المهم جداً أن ندرك ضعف القطاع الخاص في الوطن، فالكثير منهم كانوا غير مبتكرين، فأرباحهم كانت تعتمد على العلاقة بالأجنبي الذي يعمل بلا قيود في السوق السعودية، بينما تُختزل أرباح المشروع وطنياً في اتجاه واحد.
أيضاً لابد من نفهم البعد الاجتماعي لهذه الأعمال، فالمواطنون يحتاجون إلى حاضنة كبرى لتهيئتهم للعمل بنجاح في هذا القطاع، وكانت أرامكو وسابك أمثلة جيدة لتوطين المهن في قطاع النفط ومنتجاته، كذلك كانت المستشفيات أكبر حاضنة ناجحة جداً لتدريب وتهيئة المواطنون للعمل في مختلف المهن الصحية.
من خلال هذا النافذة يحتاج الوطن إلى حواضن كبرى في قطاع المقاولات والصيانة والتشغيل، وهو ما يعني دخول مرحلة جديدة في قطاع الأعمال، وستكون له نتائج مبهرة في مختلف معدلات النمو والدخل والتوظيف.
كان الآمال عالية عندما أطلقت وزارة العمل برنامج نطاقات لإنعاش هذا القطاع بالكوادر الوطنية، لكن تبين أن نتائج برنامج نطاقات مخيبة للأمال لأنها كانت تطلب المساعدة ممن لا يملك القدرة على منحها، وهو القطاع الخاص في هذا المجال، والذي يعيش بامتياز على التستر.
هي فرصة ذهبية لإدخال العناصر الوطنية في هذا التوقيت الذي يمر بمتغيرات كبرى، وذلك من خلال تأسيس شركات حكومية أو مساهمة متخصصة في مجالات المقاولات والصيانة والتشغيل، فهل نتقدم باتجاه الحلول النموذجية لمجتمع عانى كثيراً من ندرة المهن في هذين المجالين الحيويين.