«تقول الخرافة إن النسر يمكن أن يعيش حتى عمر السبعين عامًا، ولكن حتى يصل إلى هذا العمر لا بد له أن يمر في مخاض عسير، وأن يتخذ قرارًا صلبًا لا يمكن إلا لذوي الإرادة الجبارة اتخاذه.
ففي الثلاثيناث من عمره، يصبح منقار النسر الحاد معقوفًا أكثر، وتصبح مخالبه طويلة ولينة وغير قادرة على انتزاع الفريسة، مما يفقده الفرصة في اقتناص غذائه، ومع تقدمه في العمر وثقل وزنه بسبب كثافة الريش في أجنحته وجسده، يفقد النسر رشاقته في الطيران، بل ويعاني صعوبة في ذلك.
وعندها يتحتم على النسر أن يختار بين أمرين: إما أن يستسلم للموت ضعفًا وجوعًا، وإما أن يدخل في عملية شاقة ومؤلمة من التغيير تمتد أيامًا وشهورًا.
ووقتها يستجمع النسر قواه ويطير إلى قمة الجبل، ويرقد في مكان يختاره، ثم يضرب منقاره في صخرة صلبة حتى يكسره، ويغرس براثنه في الأغصان الصلبة حتى يقتلع أظافره من جذورها، وينتظر يعاني الألم ويقاوم الجوع حتى يبدأ منقاره بالنمو وتبدأ أظافره بالظهور، عندها يشرع النسر بنتف ريشه الكثيف الهرِم.
ثم ينتظر النسر خمسة أشهر ليبدأ رحلة طيران شهيرة معلنًا ولادة جديدة تمتد لثلاثين عامًا أخرى».
وبغض النظر عن الأمر كون القصة خرافة أم حقيقة فإن العبرة وهي الأهم تتجلى بوضوح وتنتظر من يقطف فائدتها.
والواقع يقول إن في ملاعبنا نسورا كثيرة بعضها يستحق أن يعمر طويلاً نظير جهده الواضح في الحفاظ على موهبته وتطويرها أملاً في خدمة فريقه وترك بصمة إيجابية له قبل الوداع، والبعض الآخر لا يزال يستحلب تاريخه القديم إن كان قد ترك له تاريخا يشفع له، أو يستغل حاجة بعض الأندية من فئة «لم تربح» ويستذكي عليها من أجل عقد يستمر لعام أو عامين.
وللأسف يجد أمثال هؤلاء من يقبل بهم حتى أن بعضهم ضرب رقماً قياسياً في عدد الفرق التي هبط معها لمصاف أندية الدرجة الأولى ومع ذلك يجد من يقبله بل ويفاوضه بكل صفاقة، وكأن «ما في هالبلد إلا هالولد»، ولأن هؤلاء لا ينتمون لموضوعنا الرئيس سنتركهم «يسترزقون» على موائد المغفلين ونعود للأهم وهم النجوم أصحاب الصولات والجولات في مواسم سابقة لنهمس في آذانهم ونقول: نعلم أن قراركم الذي اتخذتموه بالاستمرار في الملاعب وتأجيل الاعتزال كان قراراً صعباً للغاية، ولكن الأصعب هو مستقبلكم وتحديداً أيامكم المقبلة مع أنديتكم حيث الجماهير التي تنتظر مستويات تليق باسمائكم وبتاريخكم، وحيث زملاؤكم الشبان الذين ينتظرون دعمكم وتوجيهاتكم، وحيث إدارات أنديتكم التي خاطرت بسمعتها وسمحت بتجديد عقودكم إكراماً لرغبتكم؛ حيث الرهان الأكبر وهو منازلة المنافسين الشرسين والأصغر سناً، ولا يخفى عليكم كمية الجهد المضاعف والمطلوب منكم تقديمه في التدريبات لتعويض التقدم في العمر.
بالنسبة لنا كنقاد وأجزم أن الجماهير كذلك، يسعدنا أكثر تواجدكم ورؤيتكم تحرثون الملاعب، وتصنعون البهجة، ولكن متى جاء التقصير فلن يرحمكم أحد!! وحتى تاريخكم لن يرحمكم، ولذا أذكركم وأنتم النجوم الكبار بضرورة أن تبقوا أقوياء دائماً وأبداً ولعل في قصة النسور الماضية ما فيه العبرة بالقدر الكافي لأهمية التضحية وبذل الجهد المضاعف لتثبتوا بأنكم قادرون على الاعتماد على أنفسكم في إقناع الجماهير بأهمية بقائكم.
وتذكروا بأن الجميع جماهير ونقاد أحبوكم عطفاً على ما قدمتموه من جهد ومهارة وتميز في العطاء، فلم يكن بينكم وبينهم وسيط سوى عملكم داخل الملعب، وبأن استمرار هذا الحب والتعاطف معكم مهره العطاء فقط.
*ثانية
«إذا أردت إنجاز شيء ما.. قد يكون غاية في الخطورة.. فإنه يمكنك إنجازه.. قد يتطلب ذلك.. صبراً وجهداً شاقاً.. وقوة حقيقية.. وقد يستغرق وقتاً طويلاً.. ولكنك.. سوف تستطيع في النهاية ، إن هذا الاعتقاد.. هو شرط ضروري لأي إنجاز من أي نوع».
- مارجو جونز
** **
- عبدالوهاب الوهيب