خالد بن حمد المالك
تتصرف دولة قطر بلا ضابط يقودها إلى ما ينكر عليها هذا التخبط في سياساتها، فتتمادى في إجراءات لا يمكن وصفها إلا على أنها إفرازات للمعاناة التي تمر بها منذ قطع العلاقات معها، ومن ثم إقفال الحدود البرية والجوية والبحرية بينها وبين الدول الأربع المملكة والإمارات والبحرين ومصر، وهي قرارات تظهر الجهل والضعف والارتباك في مواجهة الأزمة التي تمر بها، وتصعيدها بما يجعلها غير قادرة في استيعاب أهمية القرارات التي يتوالى صدورها من الدول الأربع ضد دولة قطر، إلا بقرارات تزيد من تعقيد مشكلتها، وتضعها في وضع أسوأ مما لو التزمت الصمت -على الأقل- بانتظار انفراج أزمتها مع جيرانها وأشقائها، فضلاً عن أن المطلوب منها أن تتحرك، وتستجيب لمطالب الأشقاء، ولا تراهن على أن الحلول يمكن أن تأتي من الغريب.
* *
لقد حاولت قطر ولا تزال في تدويل الأزمة، وإشراك الدول الأجنبية والمنظمات فيها، واستخدمت في ذلك المال والإعلام والمصالح المشتركة، غير أن الاستجابة لم تكن أكثر من تفاعل في بعض وسائل الإعلام، وجولات مكوكية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولم يكن بالإمكان أكثر مما كان، ولم يكن بمقدورها الحصول على أكثر مما قدمته من نصح لها في تجنب المزيد من المخاطر بتقديم التجاوب المطلوب لأشقائها وجيرانها، وتحديداً بقبول الشروط الثلاثة عشر لإعادة العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وفتح الحدود الأرضية والجوية والبحرية، مع التفهم لما تطلبه الدول المقاطعة في التعامل مع المنظمات والكيانات والأفراد المتهمين بالإرهاب والتطرف بدعم من الحكومة القطرية، بما يوقف نشاطاتهم، ويحمي هذه الدول من أخطارهم.
* *
تخبط قطر وصل إلى حد ما يوصف بأنه من المضحكات المبكيات، وما بين السذاجة والجنون، فقد استنفرت وجيّشت وأثارت المواطنين القطريين لتقديم شكاوى عن تضررهم من المقاطعة وقفل الحدود، وابتكرت إنشاء مرجعية لهذا القرار غير الحصيف، كي يقدم هؤلاء ما يزعمون أن قفل الحدود ألحق بهم أضراراً مادية ومعنوية، وبدأت الدوحة تفصح عن آلاف المتضررين، وتُحدٍّث الأرقام، وتعد بمقاضاة الدول التي تزعم بأنها مسؤولة عن ما تدعيه من أضرار، وهي بذلك وكأنها تتهرب من أنها الفاعل في كل هذا - إذا صح أنها هناك أي أضرار - فقطع العلاقات، وإقفال الحدود، وإيقاف التعاون مع الدوحة سببه المؤامرات والإرهاب والتدخل القطري في شؤون هذه الدول، وإيواء وتمويل المنظمات والكيانات والأفراد المعتمدة قوائم بأسمائهم كإرهابيين يتعاونون مع قطر في إيذاء والتآمر على الأشقاء والجيران وغيرهم.
* *
الملاحظ أن دولة قطر أرادت أن تسبق الدول الأربع المتوقع أن ترفع إلى المحاكم الدولية طلب التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية بسبب تدخل قطر في الشؤون الداخلية لهذه الدول وممارسة الإرهاب، والتحريض، والتطرف، ضد مصالحها، باتهامها في إلحاق الضرر بالمواطنين القطريين بسبب قطع العلاقات وإقفال الحدود، وشتان بين ما تطالب به قطر، وما سوف تطالب به المملكة والإمارات والبحرين ومصر، فقد استخدمت الدوحة المال والإعلام - ولا تزال- في التحريض والتخطيط لكثير من المؤامرات التي كانت سبباً في المظاهرات والتخريب والقتل، بما يجب أن تُسأل عنه قطر، وتُحَاسب عليه، وتعوّض عنه، وفقاً للقوانين الدولية، ومن الخطأ بمكان أن تعتقد قطر أنها بصياحها هذا سوف تسلم من جرها إلى الجهات التي تنصف المتضررين من الدول والمؤسسات والأفراد.
* *
إنها مهزلة ما بعدها من مهزلة، هذا الهراء الذي تتحدث به عن مظلومية المواطنين القطريين، وكأن الدول المتضررة من إرهاب الدوحة، عليها أن تبقي حدودها مفتوحة لاستمرار عبث قطر وإرهابها وتحريضها وتدخلها، وإلا اعتبرت أن إقفال الحدود يلحق الضرر بالمواطنين، ويستدعي تقديم تعويضات لهم، وكأنها تخوّف بهذا التوجه الدول الأربع من رفع أي قوائم بما لحق بها من أضرار إلى محكمة الجنايات الدولية، مع أنها تعرف، أو يفترض أن تعرف، بأن هذا القرار التخبطي لن يثنيها عن عزمها في ملاحقة قطر والمسؤولين فيها عن أي آثار مضرة ترتبت عن مؤامراتها ومخططاتها الإرهابية، لسببين: الأول- أن ما تدعيه قطر هو فقاعات بلا قيمة، والثاني- أن الدول الأربع تملك ملفات كثيرة، فيها من الإدانات، والاتهامات الموثقة، ما يعطي لهذه الدول الحق بالمطالبة بالتعويض، بموجب القوانين والأعراف الدولية، وعلى قطر أن تبحث عن شيء غير تعويض مواطنيها لمواجهة ما ينتظرها من عقوبات.
* *
يبدو أن أمير دولة قطر وشيوخها لم يستوعبوا بعد الدروس والعبر من هذه الأزمة، ولم يتعاملوا معها بحسب أهميتها وخطورتها، واعتقدوا أنها سحابة صيف ما تلبث أن تزول إما بالوساطة الكويتية، أو بتدخل الدول الأجنبية، ولم يحسبوا حساباً لتصميم الدول الأربع على التصعيد حتى بلوغ الأهداف التي على قطر أن تقبل بها، أو أن تواجه مصيرها المحتوم، فقد عانت دولنا بما فيه الكفاية، وصبرت كما لن تصبر أي دولة أخرى لو مر بها ما مر بهذه الدول الأربع، وبالتالي، فنحن لا نريد أن تكون قطر مدفوعة بتصرفاتها وأعمالها الشيطانية، وكأنها تبحث عن الهاوية وعن كل ما يؤدي لإضرارها، بينما كل الفرص متاحة، والأبواب مفتوحة لها للتكفير عن ذنوبها والاغتسال منها، والتوبة عن كل تصرف أساء إلى غيرها، والشعور بالندم، والالتزام بعدم تكرار مخططاتها التآمرية، وتحريضها المكشوف، وإرهابها الذي بدأ واستمر، ولكن يجب أن ينتهي اليوم قبل الغد.
* *
قاموس قطر المليء بكل عبارات القبح والكراهية والتحريض، يجب أن يتم إحراقه، وأن تكون للشقيقة الصغرى سياسة جديدة تقوم على الصدق والحب والتعاون والكلمة النظيفة، فالمؤامرات والتطرف والإرهاب لا يخدم قطر، ولا يضعها في سكة الدول التي لا ترعى الإرهاب، ولا تتدخل في شؤون غيرها، وإنما يجعلها في وضع المكبلة بجرائمها، السجية بتصرفاتها، من لم يبق لديه من حيلة يحتال بها أمام هذا التكاثر من الأعمال الكريهة، فكيف لنا - ونحن من يحب قطر ويخاف عليها - لا نكتب عنها ما نكتبه، ولا نخاطبها بما نعتقد أنه يخدمها، وهل من مصلحة قطر أن تواجه نزواتها بالصمت، فضلاً عن الدفاع عن مواقفها المشبوهة، إننا إن لم نفعل ذلك، نكون في اصطفاف مع أعدائها وأعدائنا، وفي مركب واحد مع من يدبر مؤامرات ضدها وضدنا، ومن سكت عن الحق فهو شيطان أخرس، ونحن لسنا كذلك، ولن نقبل به، وسنواصل كشف الحقيقة بكل تجرد وأمانة وإخلاص.
* *
فمن الذي نصحها بأن تفتح سجلاً بما تزعم أنه يضم المتضررين من إقفال الحدود، بما تقول ادعاء بأنه بسبب الحصار المضروب على قطر، هل إقفال الحدود هو أول حالة تحدث بين الدول، وهل على هذه الدول أن تقبل بإرهاب قطر على ألا تلحق الضرر بالمواطنين القطريين، ومتى كانت العلاقات وإقفال الحدود سبباً في كل ما تدعيه الدوحة، بينما الشيخ تميم يؤكد على أن لا ضرر مس البلاد بسبب المقاطعة وقفل الحدود، لأن تركيا سارعت وعوضت عن الفراغ التنموي الذي يدعيه شيوخ قطر، وبالتالي، فقد صححت أنقرة ما يدعي أمير قطر بأن أضرارا ً لحقت بالبلاد، مع أن هذه الدول ليست مسؤولة عن قطر، ولا يلزمها قانون العلاقات الدولية بشيء مما تتحدث عنه حكومة قطر، إلا إذا كان هذا التصرف هو للاستهلاك المحلي ولإلهاء الشعب القطري المغلوب على أمره.
* *
هذا بعض ما أردنا اليوم أن نذكّر به أمير قطر وشيوخها والأجهزة والأفراد النافذين في صنع قراراتها، سواء كانوا من القطريين، أو من غير القطريين، فنحن لم نيأس من اليوم الذي سيأتي، وفيه يحتكم هؤلاء إلى عقولهم، ويفكرون بما هو أسوأ لو استمروا ثابتين في مواقفهم، فالدول لا تُدَار بمثل ما هو مشاهد وملموس في قطر، ولا يمكن لدولة تحترم نفسها وجيرانها وأشقاءها أن تقبل بأن تتصرف كما تفعل الدوحة الآن، إلا إذا كانت دولة قطر مسلوبة الصلاحيات والقرارات، وإدارتها تتم عن بعد، وليس لها من دور في كل ما يجري الآن، وكان قد جرى من قبل ضد الجار والشقيق، حيث التطرف والإرهاب والتحريض والتدخل في الشؤون الداخلية للغير.