يوسف المحيميد
من أكثر اللوحات في العالم شهرة تلك التي ترتبط بالأحداث الكبرى والمآسي، كالحروب والفيضانات والكوارث، لأنها تنقل صورة الإنسان في أكثر لحظاته ضعفًا وهلعًا، كيف يمكن أن يصور الفن هذه اللحظات الكارثية، وكيف يجعلها خالدة في المتاحف، فعلى المستوى العالمي تعد لوحة الجورنيكا لبابلو بيكاسو، والتي صورت الحرب الأهلية في أسبانيا، أكثر لوحات الحروب شهرة على الإطلاق، بينما تعد لوحة سراييفو للمصري عمر النجدي، أو بغداد للعراقي أحمد السوداني من أكثر الأعمال العربية شهرة في تصوير الحروب والمآسي الإنسانية!
كنت أفكر لماذا لم يصور التشكيليون السعوديون الحروب الشهيرة التي مرت بها الجزيرة العربية، والتي عايشها أجدادنا، سواء عند توحيد الجزيرة العربية أو قبل ذلك من المعارك التي دوَّنها المؤرخون فيما بين القبائل؟ فمن يقرأ التاريخ جيدًا سيجد فيه الكثير من الوصف لهذه المعارك أو الأكوان (مفردها كون) كما يسميها كبار السن ممن عايشوها أو اشتركوا فيها. لماذا لا يصورون سنوات الجوع والطاعون والرحمة في نجد؟
ولعل مخالطتي للتشكيليين لعقود من السنوات، بالذات جيل ما بعد الرواد الكبار، وبعض من تبعهم، كشفت لي أن حدود ثقافتهم تنحصر في اللون والتكوين وما شابه، معظمهم لا يعرفون شيئًا خارج التشكيل، بينما فنانو العالم هم مثقفون بالدرجة الأولى، يقرأون بنهم في الفكر والفلسفة والتاريخ والأدب، ومن هنا تتشكل رؤيتهم الفنية، التي تنعكس على تجاربهم التشكيلية المهمة، وما عرفته من هؤلاء أنه لا يمكن لأحدهم أن ينذر نفسه للقراءة العميقة من أجل لوحة، بينما شعراء وروائيون قرأوا مئات الكتب، ونبشوا عشرات المصادر بحثًا عن معلومة، لينتجوا أعمالا رائعة، فالإبداع ليس الجلوس على طاولة الكتابة فحسب، أو أمام حامل اللوحة البيضاء، وبدء العمل دون مؤثرات وحوافز إبداعية، من بينها القراءة والاطلاع المستمر.
ولا يعني هذا أن الموضوع في اللوحة بحد ذاته يكفي لإنتاج أعمال عظيمة، لكنه حتما أحد عناصر نجاحها، مع العناصر الأخرى كالرؤية والأسلوب الفني والعناصر والمكونات والألوان وغيرها، التي تكمل عقد النجاح وتميز الفنان، فلا أعتقد أن تصوير هذه الحروب على غرار عصر النهضة في القرن الخامس عشر، سيكون مناسبًا في هذا العصر، وإنما التعبير عن حالة الحرب والموت والخيل والغبار والبارود والدم والهلع والحرائق المشعلة في رؤوس النخيل، عن حالة الجوع والطاعون، أو ما يسمى سنة الرحمة التي مات بها خلق كثير من أهالي نجد، وذلك من خلال رؤية الفنان وأسلوبه.
لدينا فنانون وفنانات في مرحلة شبابهم وذروة نتاجهم الفني، وهم ممن يثير الأسئلة ويحاول الاطلاع على كل شيء، وهم من نتوقع منهم الكثير في السنوات القادمة، لثقتي بجديتهم، وبشغفهم في البحث والاكتشاف ومحاولة التميز عن غيرهم.