د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
فصل جهاز أمن الدولة عن وزارة الداخلية سيكون له انعكاسات اقتصادية إيجابية على المواطن والخدمات المقدمة له؛ إذ يتوقع أن ترشد تلك الهيكلة نحو 100 مليار، تخفف الضغط على ميزانية الدولة؛ إذ يهدف هذا الفصل إلى سهولة الإجراءات بعد الفصل.
وفي الوقت نفسه الهيكلة الجديدة في فصل جهاز أمن الدولة عن وزارة الداخلية تتماشى مع التحديات الأمنية التي تهدد أمن المملكة داخليًّا، وخصوصًا بعدما أصبحت التهديدات الإرهابية تشكِّل تحديًا عالميًّا؛ وهو ما يفرض عليها تحديث وتطوير قطاعاتها الأمنية؛ فتوحيد أعمال المباحث العامة والقوات الخاصة وقوات الطوارئ تحت رئاسة أمن الدولة سيشكل نقلة نوعية في رفع كفاءة الأداء من حيث امتلاكها المعلومة الأمنية من خلال جهاز المباحث العامة، بما يرفع جاهزية تلك القطاعات، ودقة وسرعة أدائها، بما يخدم أمن المملكة واستقرارها وازدهارها ورفاهية شعبها.
وفي الوقت نفسه تفرغ وزارة الداخلية دورها الخدمي الذي سيكون له انعكاسات إيجابية على الخدمات المقدمة للمواطنين، وخصوصًا أن السنوات الـ20 الماضية شهدت تركيز وزارة الداخلية على الملف الأمني، وخصوصًا في مكافحة الإرهاب على حساب قطاعات أخرى مهمة، مثل المرور؛ إذ نجد أن المملكة تعد من أعلى الدول بالعالم في حوادث السيارات؛ إذ بلغت الحوادث فقط في عام 2016 قرابة 533.4 ألف حادث، تعادل نحو 1.5 ألف حادث يوميًّا، وبنمو سنوي متواصل، نتج منه 38.12 ألف إصابة، وتعادل نحو 108 إصابات يوميًّا؛ ما ينتج من ذلك تكاليف مالية طائلة لمعالجة المصابين.
وتأتي السعودية في المرتبة الثانية عربيًّا بمعدل 27.4 متوفَّى لكل 100 ألف نسمة، بينما تعد الإمارات والبحرين من أقل الدول العربية في هذا المعدل؛ إذ يبلغ المعدل العالمي في عام 2015 نحو 18.8 متوفَّى لكل ؟؟؟ نسمة، لكن يبلغ في الدول المتقدمة نحو 10.3 متوفَّى لكل ؟؟؟ نسمة.
الحوادث المرورية في السعودية توصف بأنها إرهاب شوارع، لا تقل خطورته عن الإرهاب الإجرامي المنظَّم؛ ففي عام 2011 بلغ عدد الوفيات الناتج من الحوادث نحو 7153 شخصًا، وهو رقم يفوق عدد العنف في العراق للعام نفسه الذي يبلغ 4200 شخص. وبلغ في عام 2016 نحو 9031 فردًا مقابل 8063 خلال عام 2015، يشكِّلون نحو 12.9 في المائة من إجمالي عدد الوفيات في السعودية البالغ نحو 70 ألف حالة خلال عام 2016، بمعدل 25.5 حالة وفاة يوميًّا مقارنة بـ22.8 وفاة خلال عام 2015، أي ارتفعت النسبة في عام 2016 بنسبة 12 في المائة، وهي نسبة عالية جدًّا.
فيما بلغ عدد الإصابات الناتجة من الحوادث المرورية لعام 2016 نحو 38.12 ألف إصابة، بمعدل 108 إصابات كل يوم مقارنة بـ36.302 ألف إصابة عام 2015، أي سجل نمو الإصابات في عام 2016 نحو 5 في المائة؛ ما ينتج من ذلك تكاليف مالية طائلة لمعالجة المصابين من توفير الأدوية وإثقال القطاع الصحي بالعناية لتلك الحوادث؛ إذ يشغل ثلث الطاقة الاستيعابية للمستشفيات الحكومية، ويتسبب في أزمة الأسرَّة في المستشفيات؛ إذ إن نسبة الأسرَّة المشغولة بمصابي الحوادث تبلغ 30 من كل 100 سرير.
لا شك أن تركيز وزارة الداخلية على التوعية والأنظمة سوف يقلل من حجم الحوادث المرورية السنوية حتى تصل إلى النِّسَب في الدول المتقدمة، وخصوصًا أن وزارة الداخلية سجلت عام 2016 نحو 1.06 مليون قضية أمنية، شكلت 73 في المائة، منها قضايا تتعلق بمخالفة النظام العام، ونحو 4 في المائة قضايا تتعلق بالأمور المالية والاحتيال؛ لذلك فإن هذه الهيكلة سوف تعمل على توفير الجهود في خدمة المواطنين والمقيمين في الحد من نمو هذه القضايا، وسرعة معالجتها.
فصل مهام أمن الدولة في القطاعات المعنية بالتعامل الميداني والأمني كجهاز مستقل، يرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء؛ لإعطائه قوة التركيز على أمن الوطن والمواطن والمقيم، ومكافحة الإرهاب والاختراق الفكري بأشكاله كافة بأحدث الوسائل والطرق العالمية أمنيًّا ومعلوماتيًّا، ومراقبة تمويله ماليًّا، إضافة إلى أنه سيختصر الكثير من الإجراءات الروتينية في اتخاذ القرار، وتواصله مع الجهات ذات العلاقة على المستوى الإقليمي والدولي، بعدما أصبح الإرهاب محاربته دوليًّا، ولم تعد محاربته فقط محليًّا.. سيجعل ذلك وزارة الداخلية أكثر تفرغًا وتركيزًا لتقديم الخدمات المدنية للمجتمع، والمحافظة على مكتسبات التنمية وتطويرها، وضبط النظام، ونشر ثقافة احترام القانون، وحفظ الحقوق المدنية من خلال التدريب ورفع كفاءة المحققين لإعطاء كل ذي حق حقه.
لأن الدراسات والأبحاث أثبتت أن أكثر الحوادث تقع بسبب أخطاء العنصر البشري، خاصة السرعة وقيادة غير المؤهلين للقيادة، واستخدام المركبات لغير ما أعدت له. ويمثل الشباب في الفئة العمرية 15 - 44 عامًا نحو 60 في المائة من وفيات وإصابات حوادث الطرق في العالم، وهي بالتأكيد ستكون أكبر في السعودية، وستنحصر في فئات عمرية 20 - 53 عامًا.
لم تتمكن كاميرات ساهر من خفض نسبة الحوادث بسبب أن الشباب لديهم القدرة على التعامل مع هذه الكاميرات؛ لذلك لا بد من ابتكار طرق ذكية تستهدف على الأقل فئة الشباب التي ذكرت، من تركيب - مثلاً - كاميرات على سيارات الشباب، ترتبط بمركز العمليات؛ لضبط سلوكهم من جهة، وتسيير ودقة عمليات التحقيق عند حدوث حوادث، التي تأخذ من المرور والادعاء العام والمحاكم وقتًا طويلاً على حساب قطاع المرور ومعالجة مشاكله من الازدحام وتنظيم السير والاهتمام بالبنية التحتية والبدائل الأخرى.
كما يجعل هذا الفصل وزارة الداخلية أكثر تفرغًا للجانب التنموي والاجتماعي دونما انشغال بالهاجس الأمني وتبعاته الميدانية الذي يرهق قطاعاتها، ويشغلها عن دورها الأساسي في تقديم الخدمات للمواطنين والمقيمين.
هذا الفصل يصبُّ في رفع كفاءات قطاعات الدولة وفق رؤية 2030، وتحسين أدائها بما يلبي التطلعات المستقبلية التي تقلل من الخسائر في الأرواح والنفقات، وحماية المجتمع من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية، وتقديم الحلول للظواهر التي تشكِّل أي خطر على الوطن والمواطنين ومكتسباته.