د. صالح بن سعد اللحيدان
الأصل في هذا المعجم أنه يتطرق إلى المعاني والمرادف لها من وجه قريب أو المرادف لها من وجه بعيد أو مايكون بين هذا وذاك على وجه لا يبعد عنه
واللغة العربية ذات نسق متعدد الألفاظ وهذا التعدد قد يدل على معنى واحد وقد تختلف المعاني بدليل الحس الظاهر او بدليل المعنى
فمثلاً بقي ومكث ودام واستقر وقر وماشابه ذلك كثير يدل على شيء واحد مالم يرادف هذه الألفاظ معان أخرى تصرفه إلى غير الوجه المراد
أولا: دام بقي
ثانيا: دام أطال المكوث قائما او قاعدا
ثالثا: ودام يدوم دوما يراد به ظل وهذا طرد متحد
رابعا: ودام على هذا اللفظ يبينه مابعده فيقال دام واقفا , دام قاعدا , دام سائرا وهكذا
خامسا: دام من الدوام وهو طول البقاء وينصرف هذا إلى الخلود بصفة من الصفات وبصورة من الصور على شاكلة مختلفة من حيث المعنى
سادسا: ودام يختلف عن ادام فأدام أبقى وهو بمعنى دام فيقال: دام عالما وأدام عالما أي بقي عالما ويبقى عالما
سابعا: تقول أدام الله عزك وأمرك وشأنك بمعنى أبقى وهذا ينجر على المعنى من أصل (دام)
ثامنا: ودام بمعنى لم يزل إلا أن دام أقوى من حيث العموم
تاسعا: وظل وبقي وخلد بمعنى واحد وكلها تنصب بمعنى الدوام في الشيء وعلى الشيء
عاشرا: ودام يدخل هذا اللفظ مثل ماتقدم فيقال دام سائرا لكن هذا على سبيل الانقطاع لأن من سار لا بد أن يتوقف بحال من الحالات تتفق أو تختلف
أما الحيثية فأريد بها التعليل العلمي أو السياسي أو الأمني أو القضائي أو الاجتماعي وكذلك ينصب هذا على السبب الموجب له بذاته لأن هناك حيثية ذاتية وهناك حيثية منفصلة إنما ترد من ظاهر هذا التعليل وفي سورة يوسف وسورة هود قبلها والشعراء والقصص والعنكبوت وفي كتاب قصة الحضارة وفي كتاب (حال المتهم في مجلس القضاء) وفي تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري وفي كتاب المبتدأ والخبر لابن خلدون وفي كتاب الكامل لابن الأثير الجزري وفي كتاب اللامنتمي للبيركامو وفي كتاب الويفر توست لتشارلز ديكنز
وفي كتاب سير أعلام النبلاء نجد المحصلات على الحيثيات والعلل والأسباب لبقاء الدولة من حيث الحس ومن حيث المعنى كذلك قال من تقدم أمرهم خلال تطاول العهود المتفاوتة
من هذا فإن أي مشكلة أو حادثة أو أمر من الأمور يقع في الدولة إنما يقع حين يقع لسبب من الأسباب وهذا الوقوع الخللي اعتبره حسب تصنيفي في سياسة الدول اعتبره عرضا لمرض وليس هو مرضا أصلا
ذلك أن مايحدث حينما يحدث إنما حدث لاجتماع حيثيات عديدة أوجبت ظهوره أخيرا لكن لما كانت الدولة أي دولة تتساهل في الأمور الصغيرة فإن هذه الأمور الصغيرة تجتمع تلقائيا فتصبح حينئذ وحدة واحدة ينخر في الدولة أصلا وهذا هو السبب المرضي الذي أظهر العرض وهو الخلل الظاهر الذي تتم محاربته
وإيقافه بينما تغفل كثير من الدول عن معالجة المرض الذي يجب أن يعالج قبل كل شيء
ناهيك أن المرض الذي قد يغفل عنه كثير من الحكام قد يغفلون عنه للاهتمام بأعراضه وهذا أمر حسب دراساتي المتعددة في سياسة الدول والاستشارات العليا أمر شائن وهو الذي يجب أن يحسب له كل الحساب
ولذلك فإن ابن الجرير الطبري وابن الأثير والذهبي وابن كثير والخطيب البغدادي وابن فورك وابن منده حينما ذكروا بعض الأشياء إنما انصب ذكرهم على النتائج ليس إلا وهذا حسب ظني ماجعل مثل هذه الكتب يستريح لها القارئ لأنه يعيش الأحداث في دول مختلفة وفي شخصيات مختلفة ولكن المشكلة هنا أنهم رحمهم الله تركوا المرض المنتج لبقاء الدول أو زوالها وهذا أمر لم يقصدوه لأن كتبهم ولأن آرائهم انصبت على السرد الخطابي والسرد الإخباري إلا أن ابن خلدون والعيني شارح البخاري وابن حجر شارح البخاري ذكروا بعضا من الحيثيات التي تقارب ذكر المرض من وجه قريب أقول من وجه قريب
والذي أصب رأيي فيه حسب تخصصي المبكر في سياسة الدول ومسار أهل الحديث واللغة في سياسة الموهبة العلمية والقضائية أنه لابد من شدة التأني وشدة التحري وربط الأسباب والحيثيات للوصول إلى أصل العلة في كل شيء ينشأ لأنني حينما أعالج الحيثية قد تخدعني نفسي فتتغلب العاطفة على العقل فأرتاح كثيرا كثيرا بينما يبقى المرض ينتشر وهذا هو الخلل في مسار الدول عبر القرون .