فيصل أكرم
(ظنَّ الخليُّ بأنّ البعدَ يؤنسني
فكيف يؤنسني طردي وإبعادي
أم كيف أنسى غريبا صار قربهمُ
أقصى مرادي ومطلوبي ومرتادي)
البيتان لشاعر يمني اسمه عبد الله بن علوي الحداد (1634 – 1720م) وربما لأن الفترة التي عاشها، على طولها – 86 عاماً – لم تكن من الفترات المتوهجة في عصور الأدب والشعر، بات اسمه مجهولاً عند كثيرين من متابعي الشعرية العربية بتتالي الأجيال، وقصائده المتناثرة في الظل خارج مكتبة الدواوين ربما لم تحفظ جيداً بدليل أنني حين لمحت بيتاً من بيتيه المذكورين ضمن منشور إليكتروني كان بدون ذكر اسم الشاعر، وحين سألتُ صاحب المنشور عن صاحب البيت قال لا أدري(!) الشيء الذي دعاني إلى البحث عنه عبر محركات البحث الإلكترونية التي لم يعد لمثلي غيرها منذ ابتعادي عن مكتبتي.
ومما يؤسفني أنني وجدتُ القصيدة كاملة – أكثر من عشرين بيتاً - في أكثر من موقع، ووجدتُ أكثر من عشر قصائد أخرى للشاعر نفسه.. وكلها بأخطاء في ترتيب الأبيات وفي نقل الكلمات بشكل عشوائي لا يمكن أن يكون في النصوص الأساسية لشاعر فقيه ولغويّ متمكن، حتى أن كلمة في عجز البيت المنقول الثاني جعلتني أستعين بصديق لمحاولة فهمها، فقد وجدتها في كل المواقع الناقلة للقصيدة مكتوبة هكذا: (أقصى مرادي ومطاوبي ومرتادي) فتوقفتُ متأملاً: ما معنى (مطاوبي)؟ جمع مطْوَب؟! أو مطوبة؟! ولماذا (المطاوب) هذه وهي تكسر الوزن كسراً لا يطيب معه شعر؟!
هذا وبعد شيء من الحيرة التأملية واقترابي من الضجر فضّلتُ الاستعانة بصديق، وكان الصديقُ شاعراً قديراً ومتمرّساً في معالجة مثل هذه الأخطاء وإزالة اللبس عنها بحكم عمله زمناً طويلاً في التحرير الأدبيّ – وأعني أخي الكبير الأستاذ سعد الحميدين، فقد صادف وجودنا معاً أثناء توقفي عند هذه القصيدة – عرفتُ، بفضل خبرته، الكلمة الأصوب.. وأظنها هي الصحيحة في نص الشاعر: (ومطلوبي)؛ فبها يستقيم وزنُ عجز البيت على الأقل، ويكتمل معنى في غاية الروعة والانسجام مع صدر البيت وإن كان لا ينسجم كثيراً – برأيي – مع البيت الأول، وهو الأكثر روعة وانسجاماً مع نفسه باستقلال عن القصيدة كلها!
أعجبتني القصيدة جداً، وبخاصة البيت الأول من البيتين المذكورين في مطلع المقالة، فقد وجدتُ فيه (مطلوبي) من الشعر الضارب في عمق ما أشعر به الآن، وأتمنى أن يتولّى باحثٌ مهمة جمع وتحقيق ديوان الشاعر عبد الله بن علوي الحداد ليُنشر ويتداوله الناسُ بعد أن مللنا من الأسماء المشهورة عبر العصور وقصائدهم التي حفظناها عن ظهر قلب، فالحداد هذا لا أحسبه (شيخ الإسلام) كما أطلق عليه معاصروه فقط، وإنما قد يكون أمير شعراء عصره.. عصر الخفوت الشعريّ أو ربما هو كان عصر خفوت التوثيق الحقيقيّ الجاد للشعر والشعراء والقصائد المتميزة التي تستحقّ الخلود، وتستحق أن تكون (مطلوب) كل متذوّق للشعر المشبع بالغربة والنفي.. مع أن الشاعر، كما جاء في سيرته ضمن موسوعة (ويكيبيديا) الإلكترونية لم يغادر اليمن، فقد عاش ومات فيها؛ غير أن الشكّ في التوثيق أساساً يجعل من ذلك أمراً قابلاً للرفض من بعد تحقيق وتصويب.