هل انتهى عصر الشعراء الحقيقيين ؟! أم أننا مازلنا في ولادة مستقبلية لشعراء قد يفوقون المتقدمين ؟! قد يكون ذلك وقد لا يكون ! ما للساحة قد فرغت من أصحابها الكبار ؟! يقولون لا تجعل الطّيَرة تحتل شيئاً من نفسك فإنها الهلاك بعينه !
حاولت الأنظمة العربية تحت جناح الديمقراطية المزعومة بنظام الجمهوريات أن تبرهن نجاحها ببراغماتية مزيّفة بعد الحرب العالمية الثانية بمساعدة المستعمرين فكان الشعر ملهب الجماهير اللاعب المزدوج في ذلك والرهان الحقيقي للوقوف صفّاً واحداً مع تلك الأنظمة أو ضدّها ولكنه رهان ربح في كل الجولات وإن خسر بعض الشعراء حياتهم ثمناً لمبدأ قاتلوا من أجله ! فهو صوت الشعب ومصدر قوّتهم !
ولذلك كان المستعمر يخاف من ألسنة الشعراء فيَنْفي من لم يقدر على قتله ويسجن من يضع يده عليه ويؤجر من يبيع لسانه لينافح عن الظلم وهذه قلة لا تُعد من الوطنية في شيء !
بين نكسة حزيران وثورات الربيع العربي مرّ زمن كانت الخطابة هي الرهان على التفوّق والنجاح وخصوصاً إبّان فترة الصحوة والتي كانت الخطابة سلاحها الفتّاك فكانت محاضرات المساجد ومنابر البرامج الدعوية والأنشطة الطلابية والصحف والمجلات وكاسيتات التسجيل أصواتاً وأقلاماً نثرية وجدت آذاناً صاغية وعاطفة ساذجة وعقولاً فارغة فاستُغل ذلك في كل شيء حتى في الانقلابات العسكرية خير استغلال ووُظفت في استمالة الناس وإرهابهم فلم يكن الشعر حاضراً سوى في بعض المحافل الاستعراضية وقد أفَلَتْ بعض أغراض الشعر نوعاً ما فلم نحفل بالغزل ولا بالوصف ولا الشكوى إلا مقطوعات متفرقة لا يُعد من ذلك وإنما اقتصر على المدح والرثاء والحماسة حسب الميول السياسية والعقدية وبعض من الفخر فلم نر تلك الأبيات والقصائد التي تلهب حماس الجماهير ويتغنون بها ليلاً نهاراً لطغيان الخطابة النثرية على المشهد العربي فظللنا نردد أبيات أبي تمام في نخوة المعتصم:
السيف أصدق إنباء من الكتب
في حدّه الحد بين الجد واللعب
استذكاراً واسترجاعاً كحماسة مؤقتة دون أن يخرج إلينا آخر كأبي تمام سوى عمر أبي ريشة يعطف على نخوة المعتصم كآخر شاعر يُستشهد بشعره في الحماسة ولكنها عتب على نخوة خامدة في ظل الصراع والخصومة المحتدمة
بين السلفيين والليبراليين وغيرهما وظهور مصطلحات جديدة تعني بالخطاب والخطابة أكثر من الشعر الذي مرضت شياطينه إناثاً وذكوراً ولا اعتقد بموتهم لأن عمر الشعر باقي ما بقيت اللغة ولذلك شياطين الشعر على قيد الحياة ما شاء الله وإن أصابهم الوهن ! فالكلمات تنتظر من ينظمها ويسبر أغوارها وينبش خصائصها ومعانيها ولكن أين جمهور الشعر ومتذوقوه ؟! أين أيام كان المغنّي لا يتغنّى إلا بقصائد الفحول ؟! فيطرب له حتى من لا يحب الغناء والطرب احتفاء بالكلمات المتوهجة وفرحا بالتعبيرات الجميلة !
لا شك أن إخفاق الشعر من إخفاق الشاعر فولادة الشاعر النابغة اليوم أصبحت عسيرة جداً وهي للموت أقرب من الخداج وسببه الإعلام الأدبي الضعيف بكل محتوياته حيث صاحب المرحلة بانتماءتها التي عكفت على الرواية حتى باتت الأندية الأدبية لا تحفل إلا بالراوي والرواية فقط وهو اتجاه لا يخدم الأدب بشكل عام وشاعر المليون وغيره من البرامج الدعائية التجارية هو إنتاج لشاعر ناضج ومكتمل وليس تأسيس وصناعة وبالتالي هناك قصور في البرامج العامة التي تتبناها المؤسسات والفهم الحقيقي للقنوات التي يعبرها الشاعر من القراءة الصحيحة والحفظ المتميز والإطلاع ثم المحاولة وبعدها التجربة والنقد حتى بناء التركيبات الشعرية بشكل متقن والإبداع الذي يرتقي به نحو الشهرة الحقيقية !!
فَرِغَ النقد أو كاد فَتضاءل الشعر وطغت المجاملات على المساجلات فتوقف النبض بإغماءة وإغفاءة ولكن مازالت الحياة تدب في عروقه ، فالمبدعون متوارون ليس إلا ! والشعر فيه بقيّة مما ترك السلف !
- زياد السبيت